أخبار عاجلة

قراءة في مقالة (مصطلح “التلقي” بين الأصل والظل) للأديب المغربي الدكتور \ فؤاد عناني

إن العملية الإبداعية تتكون من كاتب ونص وقارئ وبتفاعلهم معاً دون فصل عنصر عن الآخر .ويرى الباحث : أنه على الرغم من أن نظرية التلقي تتشعب جذور اهتماماتها في الميادين المختلفة للعلوم الإنسانية، إلا أن انصياع مصطلح التلقي لحد منضبط أمر غير متأت.
ولقد توقف الباحث قليلا في محطات غير ألمانية، حتى يتسنى لنا إدراك امتدادات “نظرية التلقي” في أنظمة ثقافية مغايرة لمكان تأصلها، وكذا معرفة إن كانت تلك الأنظمة الثقافية تثوي في أحشائها إشارات للتلقي في بعديه النظري والإستيتيقي، ولذلك قام بجولة في معاجم لغات أخرى وفحص دلالة التلقي من خلالها.
وباستقراء مصطلح التلقي – كما يشير الباحث – أجد احتراما وتقديرا لذاتية القارئ ،ودوره في إكمال العمل الأدبي )الذي يتطلب قارئا يستجيب له ويقرأه، ويساهم في ملء فراغات النص التي يتركها المؤلف لمن يتلقى عمله،ويستجيب لنداءات النص وما يتطلبه من معان يحاول القارئ إيضاحها ومحاورتها(.
و تلك النظرية لا تستطيع أن تلغي تأثر القارئ بالآخر وتأثره أيضاً بالظروف المحيطة بالمؤلف،ومؤثرات النص وما يحمله من ألفاظ موحية واختيارات لغوية توحي بإيحاءات مختلفة.
إن نظرية التلقي تلتقي كثيراً مع نظرية نقد استجابة القارئ،فكلا النظريتين تهتم بالقارئ ودوره في العمل الأدبي ،والمصطلحات التي تستعملها النظريتين وإن اختلفت في المسمى إلا أنها تدل على نفس المفهوم ،فالقارئ الصوري والمثالي هو نفسه القارئ الضمني ، والكفاءة/القدرة هي نفسها أفق التوقعات وغيرها من الأمور التي اتضحت في مبحث نظرية التلقي ونظرية نقد استجابة القارئ .

د.فؤاد عفاني [email protected]
مصطلح “التلقي” بين الأصل والظل
يثير مصطلح “نظرية التلقي” الكثير من الإشكالات الممتدة على المستويين العمودي والأفقي، فالمتقصي لجذور هذا المصطلح يصادف آثاره داخل المنظومة النقدية الأدبية الألمانية من جهة، ومن جهة أخرى يكتشف أن التوجه نحو القارئ موضع اهتمام كثير من النظريات النقدية المعاصرة، إضافة إلى إحالة مصطلح التلقي على عديد من المدلولات غير الأدبية. وقد انتبه هانس روبرت ياوس/ HANS ROBERT JAUSS (1922-1997) إلى هذه المسألة سنة 1979، وأشار بدعابة إلى أن “قضايا “التلقي” يمكن أن تبدو للأذن الأجنبية أكثر ملاءمة للتدبير الفندقي منه إلى الأدب”، ولعله كان صادقا في رأيه هذا فنحن حينما نعود مثلا إلى محركات البحث على الإنترنيت فإنها تحيلنا على مجموعة من المواضيع المرتبطة بالاستقبال في معناه اللغوي وما يتصل بذلك من سياقات اجتماعية واقتصادية.
وعلى الرغم من أن نظرية التلقي تتشعب جذور اهتماماتها في الميادين المختلفة للعلوم الإنسانية، إلا أن انصياع مصطلح التلقي لحد منضبط أمر غير متأت. ويناقش هولاب/ Holub هذه القضية في اللغة الألمانية إذ يتساءل “كيف تختلف كلمة rezeption عن كلمة wirkung (وهذه غالبا ما تترجم بـ”تجاوب” أو”أثر”). وتتعلق كلتا الكلمتين بأثر العمل الأدبي في شخص ما، وليس من الواضح فصلهما بشكل تام”، وهذا الأمر ينبهنا إلى مسألة هامة وهي أن الاشكال الاصطلاحي مثار بحدة في اللغة الأم فما بالنا باللغات التي يسافر إليها المصطلح.
وقبل أن نحط الرحال في ساحة النقد الأدبي الألماني لتحديد مفهوم “التلقي” داخله، لا بأس من التوقف قليلا في محطات غير ألمانية، حتى يتسنى لنا إدراك امتدادات “نظرية التلقي” في أنظمة ثقافية مغايرة لمكان تأصلها، وكذا معرفة إن كانت تلك الأنظمة الثقافية تثوي في أحشائها إشارات للتلقي في بعديه النظري والإستيتيقي، لذلك ارتأينا القيام بجولة في معاجم لغات أخرى وفحص دلالة التلقي من خلالها.
في المعاجم اللغوية العربية تدل المادة (ل-ق-ا) على الاستقبال: “تلقاه، أي استقبله، والتلقي هو الاستقبال-كما حكاه الأزهري- وفلان يتلقى فلانا أي يستقبله” (لسان العرب). ومن آيات القرآن الكريم التي ورد فيها لفظ التلقي نجده قوله عز وجل: “وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم”( النمل:6) ، وقوله كذلك: “فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم”(البقرة:36) ، وكذا قوله تعالى: “ولقد خلقنا الإنسان، ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”(ق:16-17-18). والملاحظ في هذه الآيات أن مادة “التلقي” بمشتقاتها وردت مضافة إلى نصوص ملفوظة (كلمات، خبر، حديث، خطاب…). ولا نجد إشارة للتلقي بمعناه الجمالي إلا في بعض المعاجم الاصطلاحية المتأخرة والتي سنعود إليها في موضع آخر.
اللغة الفرنسية أيضا لا تحفل معاجمها بالمعنى الجمالي للتلقي، ففي الوقت الذي نجد فيه إشارات متعددة لدلالة الكلمة على المستوى العلمي والاقتصادي والاجتماعي: استقبال الموجات، استقبال الضيوف… لا نصادف أي معنى يشير إلى تلقي النص وقراءته مثلا (le nouveau petit robert)
وترجع كلمة التلقي/réception إلى الأصل اللاتيني« receptio » التي تحمل معنى الاستقبال/ action de recevoir والقبول/accepter، أما دلالتها الجمالية والنقدية فقد ولجت ساحة النقد الفرنسي عام 1979 بمناسبة المؤتمر الذي عقد في أنسبريك innsbruk/من قبل الجمعية الدولية للأدب المقارنl’association internationale de littérature comparée (AILC) تحت عنوان: التواصل الأدبي والتلقي /communication littèraire et réception بحضور المنظر الألماني هانس روبرت ياوس. هذا المؤتمر الذي جاء تقريبا بعد حوالي سنة من ترجمة كتاب:pour une esthétique de la réception من طرف كلود ميارد/Claude maillard، لتتوالى العناية إثر ذلك بنظرية التلقي فاحتفي بها – حسب رأي أحمد بوحسن- في مجال الدراسات المقارنة المحدودة، ثم ظهرت أعداد خاصة من المجلات الفرنسية الأكاديمية اهتمت بالموضوع. بل ظهرت مجلة مختصة تدعى “الأعمال الأدبية والنقد ouvres et critiques” سنة1976. وخصصت بعض أعدادها لنظرية التلقي (77-1978).
أما في المعجم الإنجليزي oxford فكلمة: تلق/reception تدل أيضا على الاستقبال أو”طريقة رد فعل شخص أو جماعة اتجاه شيء ما. المسرحية لقيت قبولا حماسيا من طرف المنتقدينص. ومما يسجل هنا أن التلقي في معجم أوكسفورد والموسوعة البريطانية والمعجم الأمريكي ويبستر، بل وحتى في بعض معاجم المصطلحات النقدية، يرد وثيق الصلة بالدلالة اللغوية لا الجمالية.
ولتحديد أطر البحث ننبه القارئ إلى وجود فرق بين نظرية التلقي وما يعرف بـ: نقد استجابة أو تجاوب القارئ، إذ نجد في المعجم الإنجليزي أوكسفورد أن كلمة reader تدل على “الشخص الذي يقرأ، خاصة الشخص المولع بالمطالعة” أما كلمة response فتدل على الجواب والتجاوب والاستقبال.
تقول جين. ب. تومبكنز/JANE. P. TOMPKINS في كتاب (نقد استجابة القارئ من الشكلانية الروسية إلى ما بعد البنيوية) عن “نقد استجابة القارئ”/ READER RESPONSE CRISTISIM إنه “ليس نظرية نقدية موحدة تصوريا، إنما هو مصطلح ارتبط بأعمال النقاد الذين يستخدمون كلمات من قبيل: القارئ READER، وعملية القراءة READING PROCESS، والاستجابة RESPONSE، ليميزوا حقلا من حقول المعرفة”. وبالتالي فالمسألة لا تتعلق بنظرية واحدة وإنما بعدة اتجاهات تختلف منطلقاتها النظرية وتلتقي في تمجيد القراءة والقارئ، فجين تومبكنز لم تقتصر في اختياراتها -التي رأت فيها ممثلة لهذا النقد- أثناء إعداد كتابها على اتجاه نقدي بعينه إنما جمعت عددا من المقالات ناظمها التركيز على القراءة والقارئ، وهي تمثل تشكيلة من الاتجاهات النظرية: النقد الجديد، والبنيوية، والظاهراتية، والتحليل النفسي، والتفكيك، إذ تقدم هذه الاتجاهات تعريفات للقارئ، والتأويل، والنص.
وتفترض تومبكنز أن بداية هذا التوجه النقدي كانت إما بـ: آي. أي. ريتشاردز/I.A. RICHARDS ، إبان عقد العشرينات أو بـ: دي.دبليو. هاردنغ D.W. HARDING ولويز روزنبلات/ LOUISE ROSENBLAT في عقد الثلاثينات من القرن الماضي. بينما يضيف فنست .ب. ليتش إلى هذه القائمة كلا من: مود بودكين وكينيث بريك وإن كان يرى أن بداية الاهتمام الحقيقي بالقراءة والقراء لم تكن إلا مع أواخر الخمسينيات. إن جل النقاد المهتمين بالقارئ أو كما تصفهم تومبكنز بالمتجهين إلى القارئ/ READER-ORIENTED CRITICS اتصلت أسماؤهم بمدارس نقدية متعددة نذكر مثلا: الشكلية، الظاهرية، التفكيكية، التأويلية… وقد عرفت حركية هذا الاتجاه النقدي أوجها في الفترة المتراوحة بين نهاية الستينات وأوائل الثمانينات فطوّر مجموعة من أنواع القراء (العالم، المثالي، الضمني، المحتمل…) مناهضا آنئذ النقد المتمحور على النص. إن هذا الاتجاه الذي غطى رقعة فكرية وجغرافية واسعتين حقق نوعا من الوضوح النظري، ولكن موضع التقصير كان في غياب التنسيق الذي يمكن أن يفسر بعلة الاختلاف الفكري بين الرواد، فـسوزان سليمان/ Susan Suleiman في مقدمتها لكتاب “القارئ في النص: مقالات عن الجمهور والتفسير” جمعت، رفقة إنج كروسمان/ Inge Crossman، ست عشرة مقالة تحدد “ستة مداخل للنقد الاستقبالي. بما فيها البلاغي، والبنيوي الإشاري (السيميوطيقي)، والظاهراتي، والتحليل النفسي، والاجتماعي التاريخي، والتأويلي”. وهي مداخل تشي بالتنوع في التوجه النقدي عند نقاد “نقد استجابة القارئ” كما تفصح عن التباين الصارخ، في بعض الأحوال، بين منطلقاتهم الفكرية، فيوحدهم استحضارهم القارئ بشكل من الأشكال، أما نظرتهم للنص فتتأسس وفقا لمرجعياتهم النظرية كما هو الحال بين البنيوية والتأويلية مثلا.
ويقسم ليتش/ Leitch انشغالات هذا النقد إلى مرحلتين، ففي المرحلة الأولى يصور نقد الاستجابة “نشاط القارئ على أنه أداة فعالة في فهم النص الأدبي بدون أن ينكر أن الموضوع النهائي للاهتمام النقدي هو النص. وفي المرحلة الثانية يتصور نشاط القارئ على أنه والنص سواء بحيث يصبح هذا النشاط مصدر الاهتمام والقيمة”. في حين، تولي نظرية التلقي المتلقي الاهتمام الأوفر. وربما هذا التباين بين نقد استجابة القارئ ونظرية التلقي هو الذي يفسر الإقبال الذي حظيت به أبحاث التلقي الألمانية في أمريكا، إذ يرى ليتش أن أعمال فولفغانغ آيزرIser WOLFGANG، ذات الصبغة الظاهرية اجتذبت اهتماما واضحا إبان أواسط “السبعينات ولمدة عقد من الزمان بينما لم يحظ عمل ياوس ذي النزعة التاريخية بالكثير من العناية حتى أوائل الثمانينات”، فقد ترجمت أعمال آيزر بعد مدة قصيرة من صدورها (كتاب (القارئ المضمر) ترجم بعد سنتين من نشره عام 1972 بينما كتاب (فعل القراءة) الذي صدر عام 1976 ترجم إلى الإنجليزية سنة 1978). ويعزو ليتش سر الاهتمام المتزايد بآيزر، الذي ينعته بسفير نظرية التلقي الألمانية في أمريكا، تخصصَه في الرواية الإنجليزية الكلاسيكية ونهجه الأسلوب الظاهراتي في تشييد قراءته للنصوص عكس ياوس الذي انصب جل اهتمامه على الأفكار التاريخية وأدب اللغات الرومانسية.
بناء على ما سلف، فإن نظرية التلقي تتميز عن نقد استجابة القارئ بكونها مجهودا مؤطرا ومنتظما، كما أن التأثير المتبادل بينهما غير وارد، فـ”باستثناء آيزر الذي لقيت كتاباته تغطية شاملة في كلا المعسكرين، لم يكن هناك أي اتصال يذكر بين المجموعتين”، ومرد ذلك دائما إلى تباين السياق الفكري والزمني لنقاد استجابة القارئ حتى أن بعضهم كان ينتسب إلى هذه الحركة بأثر رجعي. ومما يثير الانتباه أيضا عند البحث في الحدود بين نظرية التلقي ونقد استجابة القارئ موقع آيزر الذي يُدرج ضمن أساتذة مدرسة كونستانس وأحد أهم منظري التلقي كما يصنف ضمن نقاد نقد استجابة القارئ. ولهذا تدرج تومبكنز دراسة “عملية القراءة مقترب ظاهراتي” لآيزر ضمن خانة نقد استجابة القارئ الذي كان موضوعا لكتابها، بل إن آيزر نفسه عنون إحدى مقالاته بـ: “آفاق نقد استجابة القارئ” واعتبر في هذه الدراسة جمالية التلقي مرادفة لنقد استجابة القارئ، إذ يؤكد على “أن ما يعرف اليوم بجمالية التلقي أو نقد استجابة القارئ ليس نظرية موحدة كما يوحي بذلك اسمها…”.
إن القضية الاصطلاحية لنظرية التلقي تتموضع بشكل مختلف في الثقافة الألمانية. فكما لاحظ أحمد بوحسن فإن المعاجم الألمانية الحديثة تورد الدلالة الاصطلاحية للتلقي إلى جانب المعنى اللغوي الذي يدل، كما هو الحال في أغلب المعاجم، على الاستقبال والاحتفال؛ يقول بوحسن: “وهكذا يمكن أن نعود إلى معجم ألماني عام لسنة 1989 لنجد فيه كل مواصفات كلمة التلقي من حيث أصلها اللاتيني والمعاني التي تشير إليها، ولكنه يضيف فيتحدث عن مصطلحي جمالية التلقي ومصطلح تاريخ التلقي”. وفي هذا إيماءة إلى أمرين اثنين، الأول أن جمالية التلقي وتاريخ التلقي مصطلحين لهما جذور في الفكر النقدي الألماني، والثاني أن نظرية التلقي ألمانية الأصل ومؤسسوها هم رواد مدرسة كونستانس Constance وما بحث ثقافات أخرى عن جذور لها في تراثها النقدي إلا مجرد اجتهادات.
ويعرف أولريش كلاين/ULRICH KLEIN “التلقي” “في «معجم علم الآداب». كما يلي: يفهم من التلقي الأدبي (بمعناه الضيق) الاستقبال (إعادة الإنتاج، التكييف ADAPTATION، الاستيعاب، التقييم النقدي) لمنتوج أدبي أو لعناصره بإدماجه في علاقات أوسع أو بغير ذلك” (مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية، ع7). إن هذا التحديد رغم ما يشي به من وضوح فإنه يثير لبسا في علاقة مصطلح التلقي بمصطلحات أخرى، خصوصا مصطلح التأثير. وقد توقف ياوس عند التداخل الحاصل بين مفهومي REZEPTION/RECEPTION/ التلقي وEFFET/ /WIRKUNG/ أثر، واقترح مخرجا لذلك بأن ربط التأثير بالنص والتلقي بالمستقبل أو المتلقي، إلا أن هذا التخريج ما كان ليرضي روبرت هولاب الذي نعته بغير المرضي خصوصا وأن الغموض يتفاقم عند إضافة هذين المصطلحين إلى غيرهما فمصطلح WIRKUNGSGESCHICHTE الذي يعد تسمية لتقليد علمي راسخ في الثقافة الألمانية ينبني على “دراسة التأثير الذي يمارسه النص” أو تأثير كاتبه على الأجيال اللاحقة، يتداخل مع مصطلح مجاور هو تاريخ التلقيREZEPTION SGESCHICHTE/ .
إن التعليل الذي قدمه ياوس في كتابه: pour une esthétique de la réception لتبديد بعض من اللبس الحاصل بين مصطلحي التـأثير والتلقي، حين ربط الأول بالنص وما يمكن أن يثيره في القارئ ليبقى المصطلح الثاني محددا بالمتلقي أو المرسل إليه، قوبل بالنقض كذلك من قبل إيبرهارت لمرت/ EBERHARDT LAMMERT الذي ارتأى أن الحد الذي قدمه ياوس واقع “قبل فعل التواصل الحواري، مثلما هو معتاد، كقدرة ملازمة للنص من جهة وحالة مميزة للجمهور من جهة ثانية. أما بعد عملية التواصل فسيكون “التقاء النص والتلقي” الذي ذكره ياوس على كل حال هو المسبب لتأثير النص” (مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية، ع7). الانتقاد ذاته ووجه به ياوس من لدن هويرمان / HEUERMANNوهون/ HUHN وروتجر/ ROTTGER إذ عاب عليه هؤلاء “تمييزه بين “تلق” و”تأثير” وذلك بدعوى أنه لم يقدم تفسيرا لكيفية عمل العنصرين معا أثناء فعل القراءة، ولا كيف يمكن أن يفصل بينهما تماما أثناء تحليل التلقي”، فالفصل بين المصطلحين يتعذر كلما تمت عملية القراءة، لأن التأثير هو حصيلة خطوة التلقي، إذ لا تأثير بدون تلق و”التأثير الأمثل الذي تصفه جمالية التأثير لا يتحقق إلا بحسب قدرة المتلقي على إدراك الإرسالية”.
وينتهي كونتر جريم/ Gunter Grimmفي عرضه للآراء المتعددة حول مفهومي التأثير والتلقي، بجعله الأول مجرد مرحلة من مراحل الثاني، فالتلقي عنده ثلاث مراحل متوالية هي “مرحلة الإدراك الحسي REZEPTION ومرحلة الإدراك؛ أما مرحلة ما بعد الإدراك فتتضمن الناتج والتأثير”، مراحل تتخذ منحى تصاعديا، فمرحلة الإدراك يمثلها الاتصال المباشر بالنص أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالقراءة الأولى، أما مرحلة الإدراك فتتحقق من خلال الفهم، لنتوقف أخيرا عند ما يفيده النص في المتلقي من أبعاد جمالية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *