أنت تعلم يا سيد
أنت تعلم يا الحبيب،
أنّ حبّيَ البالغ ذروة العشق أقلّ من فيض النّور المنسكب من أعالي قلبكَ،
وأنّ الكلمة الّتي تتعبّد حبّك صباحاً ومساء أعجز من أن تكلّل هامتك المقدّسة…
وأنت تعلم منذ البدء، أنّ حبّك اجتذب قلبي
واختطف منه الموت فأزهرت فيه الحياة…
فامكث هنا يا الحبيب، في أعماق نفس صغيرة
يدمي جنانها هواء العالم الغريبْ
وتتوق إلى أنسام سمائك الرّحيبة…
أنت تعلم يا سيّد،
أنّ سنابل حقلي لا تثمر قمحاً إلّا بنعمة من هدب عينيكَ
ولا يتدلّل الورد إلّا عندما يرتشف عطرك الفوّاحْ
ولا أعبّ دفء الشّمس ما لم يتجلَّ فجرك على جبيني…
وأنت تعلم أيضاً، أنّ ريّاك في روحي يتهادى
كما الرّياحين توشوشها أنغام النّسيمْ
كما الموج الأزرق يغفو عند الغروبِ…
فامكث هنا يا سيّد، وبُح بطيبك العذب لتحيا نفسي…
ولتفُحْ منها شذا حروفكَ
وتغبْ في غياهب وجدي إليكَ…
… وتحتجب عنّي في نفسي،
وأشتهي القرب كلّما لاح شبح الوحشة أو تراءى لي نأيك عنّي،
وأهفو إلى همسة من سحَرك، تحملني إلى جبل التّجلّي
تظللّنا خيمة من حرير، حاكتها لنا الملائكة على أطراف دهر قديمْ
وننسى هناك… عوز العالم إلى الكمالِ. …
وتظهر لي في صحوة الضّحى، بعد ليلٍ حالكٍ أتعبَه طولُ الانتظارْ
والدمع كالطّلّ يهمي، والأيدي تحسبها تعانق الروحْ…
فالحب رجفة وخفقة قلب لقلب، وظمأ لا يرتوي مهما نهل من الوِردِ
وهيام روح صامت في روح يصغي، وعهد ارتقاء إلى فوقْ…
مال النّهار يا سيّدي الحبيب
وغفت أصوات العصافير وبقيت وحدي أناجيك وأنتظرْ
صحوة ضحىً آخرَ، يهديني لقاء لا ينتهي وهمساً لا ينقطعْ…
مال النهار يا سيّدي الحبيب
وها أنا عند باب قلبك أرقب وقع خطواتك في خشوع مستديمْ،
وأعماقي ترجوك أن أقم معي،
ولا ترحل بدوني إن حلّت السّاعة وأقبل الملاكْ
ليسكب الحياة في الكأس السّابعة…
أقم معي، ولا ترحل بدوني
فالوقت قاتل إن غرب وجهك البهيّ عنّي
والدّقائق سحابة سوداء، تنثر رذاذها على شواطئ روحي…
أقم معي، وامكث هنا…
لأنّك تعلم يا سيّد أنّ حبّيَ البالغ ذروة العشقِ
سراج من نورك يستقي، وإليك يهتدي…