لا ندري هل نجأَر ونَصرخ، أم نَظل ندعو ونُناشد، أم نكتفي بالصمت وكظم الغيظ عسى الله أن يحدث أمراً.
إنما نخشى إنْ صرخنا عالياً يُلبِسنا البعض تهمة التخوين والفساد واثارة الفتنه ونحن من كل هذا براء بحق رب السماء. وإنْ صمتنا وكظمنا الغيظ وَصَفَنا الآخرون بالشيطان الأخرس. وإنْ بقينا نُناشد وندعو لعلنا نُسمِع، فلن نُسمِع، لأنك تُسمِعُ إنْ ناديت حياً، «وإنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصُّم الدعاء إذا ولَّوا مدبرين» وبين هذا وذاك تبدو الكلمة حائرة عاجزة عن التأثير ليبقى لنا الأمل ورجاء الخالق. إلاّ أن الأمل والرجاء يجب ألا يحولا دون الموعظة الحسنة والنصيحة وخير العمل امتثالاً لقوله سبحانه: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وقوله تعالى «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم».
واستناداً لهذين المبدأين المقدسين نبدأ الكلام وأمامنا القضية الأم وهي قضية العمال المفصولين والعمال المهددين بالفصل أو العمال المجبرين على المعاش المبكر
وأيما يكن من أمر ذلك وأسبابه فهذا لا يُغيِّر من الأمر شيئاً ولا يَعْنينا منه بشيء، بل إن ما يعنينا هو السؤال التالي: أين الناطقون باسم الحق والفضيلة والوطنية والقانون؟ وأين السلطة والأجهزة الرقابية الرسمية وبالأخص الوزارة المختصة؟
إننا وفي هذا الزمن العتيد (زمن العجائب) يجعلنا نشتاق إلى الماضي المُضيء ونُقارن بين هذا وذاك.
فبالأمس كانت الشركات وأصحاب الأعمال – أياً تكن مراكزهم ودرجاتهم وقوتهم – لا يجرؤن على فصل عدد بسيط من العمال دفعة واحدة خوفاً من المساءلة وسَخَطِ الرأي العام الداخلي، فيلجأون إلى فصل الواحد تلو الآخر في أوقات متباعدة. أما اليوم في زمن العجائب يُفصل العشرات من العمال دفعة واحدة بلا خوف ولا حرج ولا حياء ولا مساءلة.
وبالأمس لا تجرؤ أي شركة أو مؤسسة مهما علت منزلتها أن تمتنع عن الحضور أمام وزارة القوى العاملة أو مكاتب العمل عندما تُستدعى للحضور أمامها للنظر في الشكاوى المرفوعة ضدها، لأنها تعلم أن امتناعها عن الحضور يترتب عليه عقوبة تتمثل على أقل تقدير بوضعها في القائمة السوداء.
أما اليوم نجد أصغر الشركات تضرب بعرض الحائط أي استدعاء يوجه إليها من قبل هذه الوزارة أو غيرها، وما هذا إلاّ لأننا في زمن العجائب الذي غابت فيه المساءلة والحساب، «ومَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب».