نظرة تأمل :
“العلاقة بين العلم والاخلاق مثل العلاقة بين الصفر والواحد الى جواره كلما زاد عدد الاصفار ازدادت القيمة فاذا حذفنا الواحد فقدت الاصفار قيمتها مهما كان عددها ومن ثم علم بلا اخلاق لاقيمة له كان هذا مقتطفا من محاضرة ممتعة القاها د. عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق في الصالون الثقافي الشهري للصديق الشاعر الطبيب أحمد تيمور حيث أخذ د. شرف الحضور في سياحة فكرية بين المعاني والأفكار وإنتقل من التجريد الى التدليل ومن الخاص الى العام وبدت لي المحاضرة سياحة بين الماضي والحاضر والمستقبل وتدور المعاني حول كلمة واحدة ” الوطن ” في محاولة لاستعادة رنينه المفقود والغوص في ذكريات المستقبل بالعلم والاخلاق لان صناعة المستقبل ارتبطت بالحلم وشدني في العرض الرشيق محاولتة الربط الدائم بين الفكر الرومانسي والواقع بكل تعقيداته ومشكلاته وتيقنت أن الإنتظار يعني إهدارا للوقت عندما ندرك أن تفعيل الزمن أمر ضروري للإنجاز والبكاء على اللبن المسكوب لايجدي ومن أجمل ما عرضة من صور الماضي لحالة ثلاث دول بعد الحرب المانيا واليابان والولايات المتحدة والحاضر للدول نفسها اليوم والرجل يعني مايقول عندما أشار الى شبكات الطرق في هذه الدول وهو العالم والخبير بامور النقل ولفت نظري في المحاضرة ان د. عصام شرف كان يستمد قيمه من أسرته خاصة والدية حيث تبلور مفهوم الوطن من معاني الإرتباط الأسري خاصة العلاقة بالأم ليصف الوطن بإنه ليس مكانا ولكنه شعورا بالأمومة لإن الأم تساوي قيم الإيثار والعطاء لنصل الى معنى حسي للوطن أسماه ” الكوكتيل والكيك ” وضرب مثلا بأنواع مختلفة من الفاكهة اذا ضربت في الخلاط تحولت الى كوكتيل بطعم ومذاق مختلف وهذا الكوكتيل هو الوطن من وجهة نظره وبجانبه قطعة من الكيك المتعدد الطبقات أليست عناصر الأمة هي تلك الطبقات من رحلة التاريخ عبر حضارات ثلاث الفرعونية والقبطية والإسلامية كونت أعمدة مصر السبعة التي وصفها المفكر والمؤرخ د. ميلاد حنا في كتابه الذي يحمل الإسم نفسه ودققت في معنى كوكتيل الفاكهة لنصل الى فكرة التجانس في المجتمعات النهرية التي تحدث عنها بإسهاب د. جمال حمدان في كتابه شخصية مصر .
نعود الى محاضرة د. عصام شرف حيث نجده يرى أن الفن له دور بناء مستشهدا بنماذج قديمة من الأغاني المصرية والعربية والأجنبية التي ترسخ لمعاني وأفكار محفزة وهو ما يحتاجه الوطن ولكنه يستشهد ايضا باعمال غنائية حديثة تستخدم الكلمات نفسها ولكن شتان بين المعاني فقد غنت ” فيروز ” لعناقيد العنب ثم وللعنب ايضا ” غنى سعد الصغير ” !!
واشار المحاضر الى فكرة الميزان بعد ان تحدث عن مثلث الإدارة بالاسلوب المؤسسي ليقودنا الى أن مفهوم التوازن له علاقة مباشرة وواضحة بمصلحة الوطن وما هو في الصالح العام يصبح على القائد أن يعمل من أجله .
ومن اجمل ماعرضة وهو يدرس بالولايات المتحدة إرتباطه وعلاقته بالمصريين الاقباط هناك الذين وقفوا الى جانبه يساعدوه ويوجهوه في غربته ما يؤكد فكرة التماذج بين المصريين .
وخلصت من المحاضرة التي امتدت نحو الساعتين – لم نشعر بها – ان هناك أمورا تشكل وجدان الإنسان من أهمها الأم التي تغرس حب الوطن في النفس حتى ولو كان بشكل غير مباشر و فسر لي ذلك لماذا كنت اشتاق الى وطني بكل مافيه عندما كنت مغتربا بعيدا عنه ؟
هذا الاشتياق كنا نشعر به اكثر عندما تهبط الطائرة بنا في مطار القاهرة لان الوطن مهما كانت مشكلاته وماتسببه لنا من معاناة نجد ان فيه ( حاجة حلوة ) نبحث عنها دائما وسط زحام شوارعه وميادينه وفي وجوه أبنائه ومنها اعتقد ان رنين الوطن هو الذي سيجعلنا ننسج المستقبل في الزمن من أحلام الأمس وعمل اليوم .