وقال تعالي ﴿ وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً ﴾ النساء38
وقال تعالي ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ الزخرف36
وقال تعالي ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ الزخرف38
– أخرج الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحة :-عن بن مسعود قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ﴿ ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ﴾ قالوا : وإياك يا رسول الله ؟
قال ﴿ وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ﴾ وهذا معني قوله تعالي ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فقرين الجن يلهم الفجور وقرين الملائكة يلهم التقوي وللنفس الخيار بين هذا أو ذاك ، ودائما يأتي ذكر القرين في موضع الذم لأنه يقصد به قرين الجن الذي يلهم الشر
والله سبحانه وتعالي يعين المؤمن علي قرينه ، فقرين المؤمن يضعف بكثرة الذكر والطاعات وقراءة القرآن .
وقال صلي الله عليه وسلم ﴿ إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم من العروق﴾ البخاري ومسلم ، وفي رواية أخري ﴿ إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم ﴾ البخاري ومسلم
ويطلق لفظ الشيطان علي القرين الذي يلازم الإنسان في كل أحواله ، وكذلك علي الشياطين والمردة الذين يبعث بهم اللعين إبليس لمساعدة القرناء في إغواء البشر وإهلاكهم ، والأهم والأخطر شياطين الإنس فهم منفذي أوامر إبليس وهم أداته وأدواته وعلي أيديهم تخرج المعاصي والفحشاء إلي الوجود وقديماً كان إبليس يلتقيهم ليعلمهم والآن يلتقيهم ليتعلم منهم .
والشيطان تعني في كلام العرب المتمرد من كل شيء من الجن والإنس والحيوان .
قال تعالي ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ الأنعام112
فمعركة الإنسان ليست سهله ولا هينة فعليه أن ينتصر علي قرينة الذي وكل به ، وكذلك علي جنود إبليس اللعين التي تعيس في الأرض فساداً ، وكذلك علي نفسه التي توسوس له بالشر وتدعوه إليه ، وعلي شياطين الإنس وهو الأهم .
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ ق 16
-وذكر الله تخاطب الجن والإنس في النار فقال تعالى : ﴿ َقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{22} ﴾ إبراهيم
وقال تعالى : ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيد( ِ28) ﴾ ق
فالإنسان يختصم الشيطان الذي كان قرينه في الدنيا أمام الله يوم القيامة فيقول الإنسان يا رب انه كان سبباً في إضلالي وطغياني ، فيقول القرين من الجن ربنا ما أطغيته ولكنه كان ضالاً بنفسه ويتنصل من المسئولية وهو كاذب فليس له عمل إلا غواية الإنسان ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ الزخرف38 ، فالشياطين أقرناء الكفار والمنافقين وعصاه المسلمين قال تعالي : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ مريم83 وهي مسلطة علي من ينكر وجود الله عقوبة له علي إصراره علي الكفر وإمعاناً في إضلاله وإغوائه ، وتريد أن تفعل ذلك بالمؤمن فتعجز ، ولا تستطيع إلا الوسوسة لا تزيد عليها .
أحياناً يساور بعض الناس شك ويجوا في أنفسهم ما لا يمكن أن يتحدثوا به لأحد من شك في وجود الله لكن هذا يمثل لهم عبئ وألم نفسي شديد
فقد جاء أناس إلي رسول الله فقالوا : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم ، قال : ذاك صريح الإيمان . قال النووي رحمه الله : معني استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فشدة الخوف من النطق به فضلاً ً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان وانتفت عنه الريبة والشك .
الوسوسة هي الإلقاء الخفي في القلب وهي الأفكار الفاسدة التي يوردها الشيطان علي القلب فإذا استعظم الإنسان البوح والنطق بها فضلاً عن اعتقادها فهذا هو لمن استكمل الإيمان وانتفت عنه الريبة والشك .
ويستعين القرين ببني جنسه من الشياطين ومردة الجن من جنود إبليس علي الإنسان وهؤلاء مردة الجن الذين يستعين بهم الكهان والسحرة في إيذاء الناس وهم الذين يصفدوا في رمضان أما القرين فموجود مع الإنسان كظله لا يفارقه حتي في حال النوم .
و يمكن أن يعلم السحرة بعض الأشياء عن الناس عن طريق القرناء وليس في الأمر غيب .
-روي البزار عن أنس ابن مالك أن النبي مر بقوم يتصارعون فقال : ما هذا ؟
قالوا فلان ما يصارع أحداً إلا صرعه . قال : ﴿ أفلا أدلكم علي من هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل ( أي أغلظ إليه القول وأساء إليه ) فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ﴾ أي قرينه وقرين صاحبه . قال الحافظ سنده حسن فتح الباري
-وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ﴿ التقي شيطان المؤمن وشيطان الكافر فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاسٍ ، وشيطان المؤمن هزيل أشعث أغبر عارٍٍ ، فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن ما لك هزيل ؟ فقال : أنا مع رجل إذا أكل سمي الله فأظل جائعاً وإذا شرب سمي الله فأظل عطشاناً وإذا لبس سمي الله فأظل عرياناً وإذا ادهن سمي الله فأظل شعثاً ، فقال شيطان الكافر : ولكني مع رجل لا يفعل شيئاً من ذلك فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه ﴾
– وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله :
﴿ إذا أوي الإنسان إلي فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ، ويقول الشيطان اختم بشر ، فإذا ذكر الله تعالي حتى يغلبه (النوم) طرد الملك الشيطان وبات يكلؤه (يحرسه) ، فإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك افتح بخير ويقول الشيطان افتح بشر فإن قال الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد موتها ولم يمتها في منامها ، الحمد لله الذي يمسك الذي قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمي ، الحمد لله الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا ما أمسكهما أحد من بعده ، الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه ، طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه ﴾
( صححه الحاكم ووافقه الذهبي )
وقال ابن عباس : الشيطان جاثم علي قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس
والوساوس هي الهامات الشيطان وهي إلهامات الفجور التي يلقيها في صدر الإنسان وقلبه .
فهناك إلهامات شيطانية سفلية يلقيها الشيطان في قلب الإنسان والتي هي الأفكار الفاسدة فإذا وجدت من النفس هوي ورغبة وملئت علي الإنسان قلبه واحتلت بؤرة شعوره ( القلب ) فإذا اعتقدها الإنسان وتصرف بناءً عليها جاءت السيئات والمعاصي ، فالشيطان وهوي النفس مصدر كل معصية وإثم .
وهناك إلهامات ملائكية علوية سماوية يلقيها الملك في القلب ، وعلي القلب أن يختار أي داع يجيب ، وعليه أن يتحمل نتيجة اختياره والعواقب المترتبة علي ذلك الاختيار في الدنيا والآخرة .
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ﴾ (الشمس)
والشيطان يستطيع أن ينفذ في جسد الإنسان ويستولي علي القلب .
لماذا القلب ؟ القلب هو الملك وبقية الجوارح تعمل تبعاً له ووفق إرادته فمنه الإرادة والنية والقصد
كيف يدخل الشيطان إلي قلب الإنسان ؟
قال ابن الجوزي رحمه الله : يدخل علي الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكنه منهم ويقل علي مقدار يقظتهم وغفلتهم ، وجهلهم وعلمهم .
فالجاهل والغافل يستطيع أن ينفذ الشيطان إلي قلوبهم بكل سهولة ويسر ولا يجد مقاومة تذكر ، أما العالم اليقظ فلا سلطان له عليه ولا يستطيع ذلك بسهولة ولا يحدث ذلك إلا في لحظات الغفلة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾
والقلب كالحصن وعلي ذلك الحصن سور وللسور نوافذ وأبواب وساكنه روح الإنسان وعقله الذي منه الإرادة والنية والقصد ، والملائكة تتردد علي ذلك الحصن ، وإلي جانبه ربض ( المكان الذي يقيم فيه العدو للحصار) فيه الهوي والشياطين تحاصر ذلك الحصن وتقيم في ذلك الربض ، وتتحين الفرصة السانحة للهجوم وفتح واحتلال الحصن والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض ، فالشياطين تدور حول الحصن تطلب غفلة الحراس والعبور من بعض النوافذ ، فينبغي علي الحراس أن يعرفوا جميع أبواب الحصن ونوافذه وأن لا يفتروا عن الحراسة لحظة فإن العدو لا يفتر .
وأول ما يفعل الشيطان في الربض وهو المكان المرابض فيه لحصار القلب هو إكثار الدخان للتعمية فتسود جدران الحصن وتقل الرؤية وتصدأ مرآة القلب . وللعدو حملات وصولات وجولات فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر علية الحراس فيخرجونه وربما دخل فعاث فساداً وربما قتل الحراس وأقام واستولي علي الحصن . وهذا يتوقف علي يقظة الحراس وغفلتهم وكذلك علي جهل الحراس وعلمهم .
والجهل ( جهل صاحب القلب بالله وأسمائه وصفاته وحكمته في إدارة شئون ملكه وخلقه ، وكذلك الجهل بمصائد الشيطان ومكائده ) هو أهم الأسباب التي تساعد العدو اللدود علي فتح الحصن حيث يفتح القلب أبوابه له علي مصراعيه طوعاً وحباً فيعقد معه اللعين المعاهدات والمواثيق ويتخذه عوناً وسنداً له في إغواء باقي البشر وهؤلاء هم شياطين الإنس وهم الأخطر في الإغواء والإضلال والصد عن الحق وعن الطريق القويم ، وهم أصدقاء السوء ، وهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين .
الجاهل هو من كان في قلبه قوت الشيطان من هوي وشهوة فلا يدع الشيطان فرصة حتي يرديه قتيل الشهوة أسير الهوي .
الجاهل هو من لا يعرف مكايد الشيطان ومنافذه إلي قلب الإنسان فيسدها ويحترز منه .
الجاهل هو من لا يؤمن بالقضاء والقدر ويعرف أن الأمور كلها تسير بقدر الله فيغضب لأتفه الأسباب ويجعل للشيطان سبيل عليه .
الجاهل هو من دخل حب الدنيا قلبه وآثرها علي الآخرة وأصاب قلبه الوهن وطول الأمل وتكالب علي الدنيا
الجاهل هو من تكبر علي خلق الله بعلمه أو بماله أو بجاهه أو بسلطانه أو بحسبه ونسبه فهو لا يعلم أنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وأن كل ذلك إلي زوال .
والجاهل هو من استغني بحب الدنيا وملذاتها من مال ونساء وذهب وفضه عن حب الله ورسوله فيصير هدفاً سهلاً وفريسة لأنياب الشيطان ومخالبه .
الجاهل هو من كان أشد خشية ومراقبة للناس من الله فتراه يكذب ويغدر ويخون الأمانة
والجاهل هو من تعلق قلبه بالأسباب وكان مادي الفكر لأنه ينسي أن وراء الأسباب مسبب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالي الذي أخفي مشيئته وراء هذا القانون فهي لا تعمل إلا وفق إرادته سبحانه وتعالي . والصحيح والذي يجب أن يعتقده المؤمن أن الله إذا أراد شيئاً يسر له الأسباب ، فإذا لم تجد التيسير فتريث
والجاهل هو من لا يعلم أن الله قائم علي شؤون خلقه وملكه ويعلم ما يدور ويحدث في كونه وعلمه أزلي وليس بغافل عما يعمل الظالمون وإنما يمهلهم ليوم تشخص فيه الأبصار .
والجاهل هو من آمن بالنجوم وكذب بالقدر وفي قصة موسي والخضر دروس عملية في القضاء والقدر وسنفرد لها باباً للفائدة .
وأخطر أنواع الجهل هو جهل الأئمة والوعاظ بأمور الدين فينفثوا في الناس السم الزعاف ويهدون الناس بغير هدي المصطفي وهم الذين يقفون علي أبواب جهنم ومن أجابهم إليها قذفوه فيها .
ورفع العلم وهو العلم بالله وتفشي الجهل وهو الجهل بالله هو من علامات يوم القيامة .
فالجهل يطمس القلب ويميته ويعمي البصيرة ومن هنا يكون الجاهل فريسة سهله للشيطان فيوجه له سهام الشهوات والشبهات فيرديه أسير الشهوة قتيل الهوي .