وزيْن الرجال هو ( سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وحديثه المقصود هنا ، هو قوله ( إن الله جميل يحب الجمال ) ، والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال ذلك لم يكن يؤسس ( لعلم أو فلسفة الجمال ) ، ولا يمكن اعتباره عالما في علم أو فلسفة الجمال بأي حال من الأحوال ، وهو إذن ليس فيلسوف جمال ، فلماذا قال ما قال في حديثه : إن الله جميل يحب الجمال ؟!!
في اعتقادي أن النبي الأكرم قال هذا الحديث ليُعلّم الصحابة ونحن من بعدهم ، ما هو الفرق بين ( الكِبر والتكبر ) كسلوك ذاتي ذميم ، وبين ( الاهتمام بالنظافة ) وهي من الإيمان كسلوك ذاتي ( جميل ) ، يدل على جمال صاحبه ، ويذكّره بـ ( الجمال الإلهي ) ، باعتبار أن المؤمن مأمور بالسعي ( قدر الاستطاعة والجهد والطاقة ) إلى ( التخلق بأخلاق الله ) سبحانه وتعالى ، كما ورد عن النبي الأكرم في حديث آخر
ولنأتي إلى ( الظرف التاريخي ) و ( المناسبة الواقعية ) التي دعت النبي إلى قول ( إن الله جميل يحب الجمال ) ، ونعرف ذلك من نص الحديث ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر ، فقال رجلٌ : إن الرجلَ يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ؟ قال : إن الله جميل يحبٌ الجمال . الكبر بطر الحق وغمط الناسِ ) رواه مسلم . و ( بطر الحق ) يعني رده والإعراض عنه ، وعدم قبوله ، و ( غمط الناس ) يعني احتقارهم وازدراءهم وألا يرى الناس شيئاً ، ويرى أنه فوقهم
وهنا يتضح لنا أن سبب قول النبي ( إن الله جميل يحب الجمال ) هو ما كان في ذهن ذلك الصحابي من الارتباط ( المُتوَهم أو المُتخَيل ) بين حال من يحب أن يكون نظيف وحسن الثوب والنعل ( الحذاء ) وبين ثبوت صفة الكبر فيه !! لكن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر ذلك ، وفك هذا الارتباط بين الأمرين ، فليس من يفعل ذلك بنفسه وثوبه وحذائه يكون متكبرا ، بل يكون ( جميلا ) ، ويجب على الآخرين حين يروه أن يحسنوا الظن به ، بل وأن يحاولوا التشبه به ، وعليهم أن يتذكروا دائما أن الله جميل يحب الجمال . وقد حدد النبي عليه الصلاة والسلام ( فاعلية الكبر ) في أمرين هما : بطر الحق وغمط الناس ، فمن يفعلهما يكون متكبرا ، على أي حال تكون ذاته ومُتعلقاته بها ، مهما ادعى هذا ( هذا الباطر الغامط ) من التواضع ( بمعسول كلامه ) عن نفسه ، أو بتحريض منه لأنصاره بادعاء ذلك عنه
وإذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال ) ، فالمعنى أن الله جميل في ذاته ، جميل في أفعاله ، جميل في صفاته ، كل ما يصدر عن الله عزّ وجلّ فإنه جميل وليس بقبيح أبدا ؛ بل حسن ، تستحسنه العقول السليمة ، وتستسيغه النفوس الصحيحة . وقوله : ( يحب الجمال ) أي ( يحب التجمّل ) يعني أنه يحب أن يتجمل الإنسان في ثيابه ، وفي نعله ، وفي بدنه ، وفي جميع شؤونه ؛ لأن التجمل يجذب القلوب إلى الإنسان ، ويحببه إلى الناس ، بخلاف ( التشوّه والتقبّح ) الذي يكون فيه الإنسان قبيحاً في شعره أو في ثوبه أو في لباسه ، فلهذا قال: ( إن الله جميل يحب الجمال ) أي يحب أن يتجمّل الإنسان في ذاته وفيما يتعلق بها
وأما ( الجمال الخِلقي الجسدي ) الذي يكون ( هبة ) منّ الله عزّ وجلّ في ملامح إنسان أو إنسانة ، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ، ليس للإنسان فيه حيلة ، وليس له فيه كسب وفاعلية ، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما للإنسان فيه كسب وفاعلية وهو التجمّل المتعلق بالفاعلية في الملامح الجسدية . وليس أفضل من ( الجمال الشكلي الجسدي ) وما يتعلق به ، إلا ( الجمال الخُلقي الروحي ) وما يُتحصل به ومايتوصل إليه ، فالجمال ( الدائم ) على الحقيقة هو ( الجمال الروحي ) أما الجمال الجسدي فغير دائم أبدا ، وبقاؤه مرهون بزمن قصير ، وجهد وفير ، وثمن كثير ، وقد يعود على الإنسان بما هو خطر وخطير