” فودة ” إبن محافظة دمياط ولد في 20 أغسطس 1945 , وقُتِلَ بسبب رأيه فى 8 يونيو 1992 بعد أشهر قليلة من مناظرة أقيمت بمعرض الكتاب بين ” فرج فودة ” و ” محمد أحمد خلف الله ” فى مواجهة ” محمد عمارة ” و ” مأمون الهضيبى ” نائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين وقتها ” مصطفى مشهور ” , صدرت بعدها فتوى من شيوخ جماعة ” الجهاد ” , وتحديداً الشيخ ” عمر عبد الرحمن ” , بجواز قتل ” فودة ” لأنه ” مرتد ” .
أسس ” فودة ” الجمعية المصرية للتنوير لإرساء مبدأ التعبير كحق أصيل من حقوق البشر , كفله الدستور والقانون , كان يحلم بأن لا يكون على الكلمة قيد أو شرط , وكان يرى أن الكلمة لابد أن تواجهها كلمة والرأي لابد أن يواجهه رأي لتحقيق الموضوعية مع أكبر قدر من الحقيقة .
لم يدري ” فودة ” أن الجمعية التى حَلُمَ بها سيُغتَال على أعتَابها , على يد أتباع ” الجماعة الإسلامية ” , ومنهم الشيخ ” أبو العلا عبد ربه ” الذى أعلن منذ فترة فى أكثر من وسيلة إعلامية , أنه لو عاد الزمن به للوراء فلن يقتل “فودة ” .
إصابات بالغة في الكبد والأمعاء , وست ساعات كاملة حاول فيها الأطباء العودة بـ ” فودة ” إلى الحياة بعد أن كان واقفاً فى المنتصف . بين مجتمع لا يؤمن بحرية الأفكار والنقاش واختار قتله ليتخلص منه , وبين الآخرة التى لن يحاسب فيها البشر بعضهم , وستكون الكلمة العليا لله رب العالمين .
لم يتحمل جسد ” فودة ” الطلقات , ولفظ أنفاسه الأخيرة , بينما نجح سائقه بمساندة أمين شرطة تصادف وجوده وقت وقوع الحادث , في القبض على أحد قتلة ” فودة ” الذى حُكِمَ عليهم بالسجن المؤبد , وصدر عفو رئاسى عنهم بعد وصول الرئيس مرسي إلى الحكم قبل انتهاء مدة سجنهم ! .
تعرض ” فودة ” للكثير من الانتقادات التى وصلت في بعض الأحيان إلى اتهامات بالكفر , بسبب آراءه التى بدت غريبة لأهل عصره وقتها , فقد نادى ” فودة ” بفصل الدين عن الدولة تماماً , وإعادة توزيع الأدوار بين الجميع , ورفض أن يتحدث أهل الدين فى السياسة ويرفعوا الشعارات لإرهاب الناس , كما رفض أن يتحدث أهل السياسة في الدين ويرفعوا الشعارات لاستقطاب الناس .
تنبأ ” فودة ” بما سيحدث في مصر الآن قبل نحو ربع قرن , وحذر من تنامي الجماعات الدينية ذات الصبغة السياسية , التى تعرض من الحقيقة جانبها المضيء فقط , وتتغاضى عن الجانب السلبي ,جماعات لا تقبل من الأراء إلا رأياً واحداً , ولا تدفع المواطنين إلا في اتجاه واحد , الأمر الذى سيؤدي إلى التطرف وإلغاء ” العقل ” , الذي حباه الله عز وجل بما لم يعطه لغيره , من قدرة على التمييز والتفكير والتحليل .
رأى ” فودة ” أن المصريين جميعاً في ” سفينة ” واحدة , إن نجت سينجون جميعاً , وإن غرقت سيغرقون جميعاً , واستنكر أن يرفع ” مختلفو ” الرأي السلاح في وجه بعضهم , وأكد أن حضارة العصر لا تتسع لدولة دينية ” متعصبة ” , وأن المستقبل لن يصنعه إلا القلم والعمل والعقل والمنطق .
كان ” فودة ” من أكبر الداعين لفكرة الدولة العلمانية , ورأى أن علمانية الدولة هي الحل للخروج من الأزمات الطائفية مشيراً إلى الدستور التركي الذي وضع في 1982 , ونص على أن ” العلمانية ” تحترم جميع الأديان الموجودة في الدولة , وأن الأشخاص لا يكونوا علمانيين بل الدولة هي العلمانية , على اعتبار أن العلمانية نظام لتسيير أمور الدولة , وليس دين جديد .
لم يكن ” فودة ” شخص ” كافر أو ملحد ” كما وصفه البعض , بل كان مفكراً وكاتباً , دعا المختلفين معه للحوار مستشهداً فى ذلك بالقرآن الكريم , الذى كانت أولى آياته التى نزلت على الوحى ” اقرأ ” , فقد رأى أنه يجب على الجميع أن يتحاور للوصول إلى كلمة سواء وإيقاف نزيف الدم , مؤكداً أن الخلاف بين أنصار الإسلام وأعدائه خلاف رؤى يمكن حله بالحوار وليس بالعنف , بالعقل وليس بالقتل .
أدان ” فودة ” الإرهاب بكافة صوره وأشكاله , ووصف الإسلام بأنه ” دين القول بالتي هي أحسن ” , وكانت أخر كلماته في المناظرة المشهورة التي اغتيل بسببها هي ” عندما تحدثني عن الدولة الدينية , حدثني ياسيدي كيف انتهى الأمر بعد 1300 سنة في الدولة العثمانية , ونحن في اسفل السافلين , حدثني عن الاستبداد الذى أطاح برؤوس المعارضين , حدثني عن الاستبداد الذي ” ساد ” وألقي عليّ بحديث الحكمة لا حديث الشعارات , قل لي كيف يتناسب الإسلام مع العصر ومع الدولة الآن , لأني من المؤمنين أن الإسلام كدين لا يتناحر أبداً .