خطف السبعة جنود لم يكن يعكس صورة نظام يفتقد للعقلانية فى التصرف فقط ولا يعكس طبيعة نظام لا يعرف مدى خطورة أن تمر عدة أيام دون إتخاذ قرار واضح ينقذ ارواح هؤلاء الجنود الذين لا حول لهم ولا قوة او حتى إنقاذ الضابط المختطف ”المعداوي” واثنين من زملائه، وأمين شرطة، والذين اختفوا في سيناء فى 4 فبراير 2011. فأى عقل او اتفاقيات تقول أن سبعة جنود يحمون حدود دولة امام عدو يهدد أمنها على مدار ستون عاماً وأكثر ويتم التعامل معهم بهذا الشكل المخزى .
وبعيداً عن التساؤلات الكثيرة التى تبحث عن هوية خاطفى الجنود . وبعيداً عن مسلسل هيبة الدولة لأنه لم تعد هناك دولة حتى يكون لها هيبة من الاصل . وبعيداً أيضاً عن تكهنات البعض حتى الان بأن ما حدث كان
” تمسلية ” . فأنا اتسأل لماذا يتملكنا الاستغراب من حال سيناء . لم يكن غريباً ابداً خطف الجنود او حتى الهجوم عليهم وإهدار دمائهم وأرى أن كل ما يحدث هناك طبيعى جداً .
فماذا يحدث إذا قمت ببناء صرح معمارى عظيم وجميل وتم تزيينه بأجمل الاشياء ثم تركته مهجورا .
للاسف ستسكنه الفئران والثعابين وكل انواع الحشرات المميته . وبالفعل هذا ما حدث فى سيناء تُركت لكل أنواع الفساد ولم يسكنها إلا كل من أراد ممارسة الشر . تُركت مرتعاً للصهاينة وتجار المخدرات وتجار السلاح . تُركت لنيران الجهل والمرض والفقر تأكلها دون مقاومة .
دفعنى كل هذا لمعرفة طبيعة الوضع الامنى داخل سيناء وخاصة على الحدود مع إسرائيل فتقابلت مع أحد الضباط وهو يعمل فى قطاع الامن المركزى ونُقل منذ شهور للخدمة فى شمال سيناء وتحديداً داخل أحد النقاط الحدودية مع إسرائيل بالقرب من طابا . على عكس المتوقع وجدته سعيداً بالعمل هناك وعندما سألته لم كل هذه السعادة بالعمل فى سيناء ؟
أجاب بأن الوضع هناك أرحم من العمل وسط أجواء التظاهرات والاعتصامات التى لا تنتهى
وبدأت بالحديث معه عن طبيعة عمله ؟ – فقال أنه يعمل على تأمين ومراقبة أحد نقاط الحدود مع إسرائيل بمساعدة فرق من الجيش ولكن للاسف بدون اى امكانيات تساعد فى اداء المهمة وبدء سرد حديثه وهبط الكلام كالصواعق على أذنى خاصة حين ذكر أنهم فى كثير من الاحيان لا يجدوا مياه للشرب ولا أضواء داخل غرفة ” النوبتجية ” والسبب فى هذا عدم وجود كهرباء وحتى مولدات الطاقة الشمسية التى يعتمدون عليها فى الإنارة قديمة ومستهلكة ولا احد من الاخوة المسؤلين يهتم لهذه الامور فى حين أن أمام اعيننا وعلى بعد أمتار نقاط الحدود الاسرائيلية التى يوجد بها كل الامكانيات المتاحة وقمة المعاملة الادامية والتى تساهم فى تأمين الحدود بشكل جيد وعلمى إضافة الى ذلك فهم مُسلحين وبشكل قوى ولا يكترثون لأى اتفاقيات سلام حين يتعلق الامر بحماية حدودهم فهم يضربون ” فى المليان ” على حد قوله . والنتيجة هى سقوط ضحايا من الجنود المصريين بشكل متكرر ولكن لا احد يعلم بأمرهم .
وأضاف أن كل عمليات التسلسل داخل إسرائيل من الافارقة أو غيرهم يدفع ثمنها جنود حرس الحدود المصريين والضباط لأن ضرب الرصاص حينها يكون عشوائى ودون تمييز خاصة أن أغلب عمليات التسلل تحدث ليلاً .
وبسؤاله عن طبيعة عمليات التسلل وكيف تتم ؟ – أجاب أن هناك من يمول ويتوسط فى هذه العمليات كعمليات الهجرة الغير شرعية عبر البحر فتقوم أحد الحافلات بإنزال عدد ممن يريدون التسلل داخل إسرائيل عبر مناطق الحدود الدولية والتى تتوسط الحدود بين الحدود المصرية والإسرائيلية خاصة أن هناك قوات حفظ السلام تغادر نقاط المراقبة كثيراً بحلول الليل ويذهبون للسهر والترفيه وحينها تشعر القوات الإسرائيلية أن هناك حركة غير طبيعية فيقومون بتمشيط المنطقة بشكل عشوائى وإطلاق النيران أيضاً بشكل عشوائى مما يهدد حياة الجنود المصريين وكثيراً ما يؤدى الى موتهم متأثرين برصاص الصهاينة . وأضاف أن بهذه الصورة دائماً ما يشعر الجندى المصرى أنه مُهان وبدون أى كرامة .
وبدأت صدمتى حين بدأ يتحدث عن عمليات الخطف والتهديد والتى وصفها بأنها كثيرة جداً وكانت ولا تزال مستمرة وقال أننا مُعرضين دائماً للخطف والمساومة من قِبل العائلات السيناوية والتى تعمل فى تجارة المخدرات خاصة إذا قمنا بالكشف والقبض عليهم أثناء إحدى عمليات تهريب المخدرات
وأضاف فى نبرة أمتعاض ” بينى وبينك أنا بكره اليوم اللى بيصادف ونقبض على حد قرب الحدود بيهرب مخدرات مع الصهاينة “
وأنهى حديثه حين قال أن أمن سيناء ليس فقط تأمين الحدود ولكن امنها من الداخل أيضاً ضرورى وحتمى لأنها وبدون اى مبالغة تعانى من انهيار أمنى رهيب . فنحن نقف لتأمين هذه الحدود دون ان نعرف من اين يأتى الرصاص والغدر من امامنا ام من ظهورنا .
كل هذه الامور التى تحدث عنها “سيادة النقيب” أرى أنها تفسر وبقوة حال سيناء وانه أذا استمر الوضع هكذا لن تكون عملية اختطاف الجنود والضباط او قتلهم كما حدث فى رفح خلال شهر رمضان الماضى هى الاولى طالما أستمرت هيبة الدولة فى الانحدار بهذه الصورة القبيحة وطالما ظللنا عاجزين عن إيجاد حلول قوية لأزمة سيناء .