الشك قد يكون طريق للإيمان فيكون بداية الرحلة ، والشك هو دليل التفكير والاستقصاء العقلي كما حدث مع الدكتور مصطفي محمود عليه رحمة الله وقد يكون الشك طريقاً للإلحاد والكفر وهذا يتوقف علي ما في القلب من خير أو شر ، صلاح أو فساد ،
من الناس من ايمانهم وعقيدتهم لا تتعدي المحاكاة التي وجدوا أنفسهم عليها نتيجة وجودهم في بيئة مسلمة ولودوا ونشأوا فيها ، فهم بحكم النشأة مسلمون وقد لا يتعدي اسلامهم مجرد الشعائر وقد تكون هذه الشعائر بالجوارح دون القلب ، فهي مجرد اعمال اتوماتيكية اعتادوا عليها كالسائق الذي يقود السيارة قيادته اصبحت لا تحتاج الي بال وانتباه وتركيز واصبح يمكن أن يعمل أكثر من عمل وهو سائق لسيارته ويمكنه أن يجول بخاطرة هنا وهناك وان يتحدث في التليفون وهو حامل للتليفون بيده وقد يكون من خلال السماعة اللاسلكية ، لكن هل هذه الشعائر بهذه الصورة والتي لا يلقي الإنسان لها بالاً تقبل وتؤثر في النفس فما شرعت الشعائر إلا تزكية للنفس ؟ بالتأكيد لا ثمر ولا تقبل فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس للمرء من صلاته إلا ما وعي ، أي كان يقلبه وجوارحة في الشعيرة ،
هل هذه القيادة للسيارة وبهذه الطريقة صحيحة ويمكن للإنسان أن يتجنب حوادث الطرق ؟ بالتأكيد لا فالقيادة بالرغم من كونها عمل اتوماتيكياً لكن تحتاج الي تركيز وانتباه لتقل الحوادث علي الطريق .
عندما يبدأ الإنسان يفكر في حقيقة ايمانه واسلامه ليكون اسلامه وايمانه يقينياً يختلف عن التلقائية التي كان ايمانه يتسم بها يبادره الشيطان بالقاء الفتن والشكوك في القلب
– جاء أناس إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم علي أحدنا أن يتكلم به ، قال أوقد وجدتموه ؟ ، قالوا نعم ، قال ذاك صريح الإيمان ،
والذي يلقي في القلب هنا هو فتنة الشك وكونهم تعاظم عليهم البوح به فضلاً عن اعتقاده قال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ذاااااااك صريح الإيمان ، فإن لم يتعاظم عليهم البوح بما يجدوا في أنفسهم من فتنة الشك وصرحوا بها وهم لا يعتقدوه لكن أرادوا المساعدة في درء الشك من أصحاب العلم واليقين فلا بأس ويجب مساعدتهم وتثبيتهم ، وإن صرحوا به واعتقدوه وآمنوا بأن لا إله وجبت محاجتهم بالعقل والعلم حتي يعودوا الي رشدهم ، وإن لم يهتدوا وأصروا علي الكفر والإلحاد فلله أمرهم ولهم حرية الكفر ، لكن وجب علي أصحاب الرأي والعلم أن يحصنوا المجتمع من أفكارهم وأن يبحثوا سبب إلحادهم وإصرارهم علي الكفر حتي يدرءوا الشبهات بالحجة والمنطق والعلم لا النهر والعنف اللفظي والإرهاب الفكري ، يجب أن يعتبروهم مرضي يحتاجوا الي العلاج وليس الي اللفظ والنبذ والترهيب ، فقد يصح ايمان بعضهم لو وجدوا عقولاً واعية وعلماءا راسخي العلم استطاعوا مقابلة حججهم بالعلم والعقل والمنطق
قال النووي رحمه الله فيمن جاءوا الي النبي صلي الله عليه وسلم واشتكوا ما يلقيه الشيطان في نفوسهم ، ذاك صريح الإيمان ومحض الإيمان لاستعظامكم البوح بما يعرض ويلتصق بالقلب من فتن ، فاستعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفي عنه الريبة والشك .
قلت : وأشد الفتن التصاقاً بالقلب للتمحيص هي فتنة الشك ، الفتنه المقصودة هنا هي فتنة الشك لاستعظام القوم عن البوح بما يعرض علي قلوبهم وما يدور في صدورهم وهو من أشد أنواع الوساوس والتي يحاول أن يصل بها الشيطان إلي قلب المؤمن فيعجز لحياة هذا القلب واتصاله بخالقه ، أما القلب الفاسد فيتلاعب به الشيطان ويغويه ويضله ويستسلم لفتنه وشكوكه ، والقلب الأبيض هو قلب المؤمن ، والقلب الأسود هو قلب الكافر والمنافق وفسقة المسلمين ، فالفتن التي تلقي علي القلوب هي فتن الشهوات و الشبهات ، و تكون سبباً لامتحان القلوب و تمحيصها ، هذه الفتن تلتصق بالقلوب كما يلتصق الحصير بجنب النائم و توثر فيه و تعاد و تتكرر مرة بعد أخري كما ينسج الحصير عوداً عوداً ، ومع كل فتنه يتشربها القلب تنكت فيه نكتة سوداء و كل قلب ينكرها و يعرف أن الحق في سواها تنكت فيه نكته بيضاء ، حتى تصير في النهاية القلوب إلي قلبين : قلب أبيض و هو قلب المؤمن وهو صاحب النفس المطمئنة و الروح الطيبة ، وقلب أسود مرباداً وهو قلب الفسقة والكفار والمنافقين
-روي ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قيل يا رسول الله من خير الناس ؟ قال ﴿ كل مؤمن مخموم القلب ﴾ قالوا : وما مخموم القلب يا رسول الله ؟ قال : ﴿ هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد ﴾ (رواة ابن ماجة وقال العراقي صحيح ) ،
* وفي زمننا الحاضر أعان الناس الشيطان في مهمته فلسوء أحوال المسلمين في شتي بقاع الأرض ولسوء فهمهم للدين ولسوء توظيفهم للدين في السياسة ولتناقض أفعالهم مع أقولهم ولحملهم السلاح في وجه بعضهم البعض ولاستخفافهم بحرمة الدماء والممتلكات الخاصة والعامة ( كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وكان في السلوك عموما ما ينافي الايمان من كذب وخداع وغش وتدليس وشهادة زور وتلبيس للحق بالباطل ، كل ذلك أعان الشيطان في مهمته وزادت نسبة الإلحاد والكفر في مجتمعاتنا المسلمة وهناك سبب آخر لا يقل أهمية هو اعتقاد الملحدين بتناقض الدين مع العلم الحديث ولباحثي الاعجاز العلمي الدور في درء تلك الشبهات واظهار سبق الدين للعلم في جوانب كثيرة منها قضايا النفس وفهم الذات وفهم العقل بمكوناته وآلية عمله وقضايا أخري كثيرة
كما أن تخلف الخطاب الديني وعدم مواكبته للعصر وغياب الفقه المعاصر وعدم تطور العلوم الشرعية وخاصة علوم الفلسفة والعقيدة وفشلها في درء الشبهات المعاصرة التي تواجه الدين والاعتقاد واعتمادها علي الموروثات من ادلة وبراهين يمكن ان تكون غير كافية في العصر الحديث وكذلك تصدر المشهد الدعوي لأناس سطحي الفكر وان كانوا من المتخصصين في العلوم الشرعية ، كل هذه العوامل مجتمعة أدت الي ظهور وانتشار ظاهرة الإلحاد ولكي تختفي يجب علاج كل تلك المشاكل الفكرية في المجتمع وظهور خطاب ديني يجمع بين الأصالة والحداثة كالشيخ الشعراوي وظهور علماء يستطيعوا ربط الدين بالعلم والحياة والعلم كالدكتور مصطفي محمود عليهما رحمة الله