الحرية السياسية لا تعنى أبداً انتصار مبدأ الحرية الاقتصادية المطلقة المستغلة، واختفاء دور الدولة فى الاقتصاد. ان مصطلح الدولة المتدخلة ولد ليبقى. وعلى الفكر السياسى الناضج الذى يحكم أو يقف الى جانب المعارضة أن يبدأ من هذه الحقيقة، فلا يجوز بعد ثورة قامت من أجـل عيش – حرية – عدالة اجتماعية – وكرامة إنسانية. أن نترك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمبدأ الحرية الاقتصادية المطلقة، للعشوائية والمنافسة الاحتكارية المستغلة من جانب المنتجين، بما يترتب عليه من أزمات طاحنة، ومن تعثير التنمية والى انتشار البطالة والتضخم. وهذا ما نرى بعضاً منه فى مصر الآن! لم يعد صحيحاً. إن الاقتصاد الحر يملك عصا سحرية تقيم التوازن الاقتصادى والاجتماعى كما يتصور البعض.
إن الدولة المتدخلة قامت من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فيما ينبغى لها، تحت أى حجة، أن تقضى على هذه الحريات فليس معنى تدخل الدولة فى الشئون الاقتصادية والاجتماعية أن تملك الدولة وسائل الإنتاج كاملة، أو أن تقضى على القوى الاقتصادية الحقيقة، أو أن ترهق النشاط الاقتصادى بإجراءات استثنائية لا مبرر لها كما يحدث الآن، أو أن تقضى على الباعث الخاص. أو على الحرية اللازمة لإنسانية المستهلك.
ما كانت الحرية الاجتماعية وما ينبغي، أن تكتم الأفواه بكسرة خبز. تلك جريمة فى حق الشعوب، إذ أقامت تناقضاً مصطنعاً بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، بين الديمقراطية والدكتاتورية. فالثورة أعطت للشعب حرية الخبز وحرية الكلمة، فالثورة أسقطت الإجراءات الاستثنائية والقيود المفروضة على الحريات وأقامت سيادة القانون ودولة المؤسسات.
وهو ما أصبح التزاما على السلطة الحاكمة بموجب الدستور، أن مبدأ تدخل الدولة فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة منطقية للتطور الثوري، وضرورة لا غنى عنها للحرية الحقيقية. وبقى على القوى السياسية الوعى لحقيقة التطور ولحقيقة الحرية أن تسلم به، إلا تسقطه من حسابها، وإلا تكون قد أنكرت التطور، وأفرغت الحرية من مضمونها الحقيقي.
إن الحرية يجب أن تمارس فى إطار الضمير الوطنى العام والتزاماً من الذات بمصالح الوطن. تلك مسيرة الحرية، وقمة الوعى بها! وجهان اثنان لحرية واحدة، كى لا تضيع منا حقيقة الحرية بعد الثورة.