فكرة الديمقراطية في السياسة بين الحاكم والمحكوم هي في أساسها أن يستمع الأول لرأي الثاني دون قيد أو تضييق أو قمع شريطة أن يتبع الثاني الأساليب المحترمة في التعبير عن الرأي بحرية دون تخريب أو إضرار بالمال العام والخاص ومصالح المواطنين .. والتعبير عن الرأي له الكثير من الوسائل لعل أشهرها التظاهر السلمي ورفع المطالب والمناداة بها وإذا كان للشعب على الحاكم حقوق فللأخير أيضا على الشعب حقوق , الرعية ينشدون الحياة الكريمة الآمنة والراعي له مهابته واحترامه وما بين الاثنين عقد يسمى الشرعية أول بند فيه هو الاختيار فالشعب يختار حاكمه عبر صندوق الانتخاب وهذه قاعدة هامة ورئيسة في تثبيت مكانة وسلطة وهيبة الحاكم , ولكن هل معنى أن هناك حاكم جاء بصندوق انتخاب , فلا يجوز التظاهر ضده أو رفع المطالب في وجهه ؟ ! أو يعتبر التظاهر في هذه الحالة خروج على الشرعية ؟ , الحقيقة تؤكد أن الصندوق هو الركيزة الأهم لكنها ليست الوحيدة في تثبيت قدم أي حاكم فأكم من حكام جاءوا بالصندوق أو هكذا قالوا أو زوروا الصناديق لكنهم في النهاية النتيجة كانت لصالحهم وكانوا أمام العالم حكاما شرعيين لكنهم خلفوا عهودهم مع شعوبهم فثار الآخرون ضدهم ولم يرحمهم التاريخ , فهناك بنود أخرى كثيرة غير الصندوق في العقد بين الحاكم والمحكوم على كل منهما أن يلتزم بها, فالشرعية في أساسها عقد كامل وليست بند واحد ومن يخالف العقد هو من يخرج عن شرعيته , الخلاصة أن الصندوق على أهميته لن يشفع للحاكم إذا استبد برأيه ولم يستمع لشعبه ولم يسع لتوافق عام حوله فما من أمة عاشت وقويت ونهضت دون وجود توافق عام بين الحاكم والمحكوم , والأمر هنا يخضع للكثير من التوازنات ويفرض على الطرفين حاكم ومحكوم التخلي عن المصالح الشخصية والأهداف الخاصة وإعلاء شأن الهدف العام , نعم لا يوجد حاكم على وجه الأرض منذ بسطها المولى عز وجل استطاع أن يرضي كل شعبه فلابد من معارضة وشكاوى وأزمات لكن هناك حدود عامة متعارف عليها للأمان في كل شئ وهو ما يسمى بالنسبة والتناسب فليس من المعقول مثلا أن يغضب نصف الشعب أو يزيد ويرتاح الحاكم في بلاطه ولا يهتز له جفن ويقول : ” عادي بيحصل في كل الدول ” !!, في النهاية الأمر كله يحتاج إلى حالة من التوافق يلزمها مكر ودهاء وذكاء من الساسة الذين يتولون المسئولية فمن في الحكم هو دائما صاحب المبادأة لأنه الطرف الأقوى بيده السلطة وأدواتها ..
بعد كل هذا التمهيد حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبمناسبة ما يتردد عن مظاهرات مرتقبة يوم 30 يونيه الجاري يتأكد لنا أن حق التظاهر السلمي مكفول للجميع شريطة أن يكون سلميا لا يصحبه عنف أو فوضى أو تخريب أو إضرار بالممتلكات العامة والخاصة , نعم عبر عن رأيك واعرض مطلبك وانتظر الرد , وإذا وجد طرف يتوعد طرف بالعنف والقتل فهنا مكمن الخطورة فقد تتحول الميادين – لا قدر الله – إلى مواجهات بين أبناء الوطن الواحد وعلى ولي الأمر وأد الفتنة في مهدها فكلنا مصريون وكلنا مسلمون وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه اللهم بلغت اللهم فاشهد .