Breaking News

تامر جلهوم يكتب… “الراعى والرعية..”

روى مسلم رضي الله عنه في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع مسئول عن رعيته))صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم صحيح مسلم.
ويقول الشاعر: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد.
فلقد خلق الله تعالى الناس وجعل بعضهم مرتبطاً ببعض في معيشتهم وحياتهم وجعل سبحانه من حكمته أن البشر بحاجة إلى من يسوسهم ويتولى أمرهم ويقوم على شؤونهم ولا يصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا بتنظيم أمورهم التي يرعاها ويقوم بها ولي أمرهم وإمامهم فما عاد للحياة طعم عندما أتسعت رقعة الأسرة وبدأت بالتخلخل وبدأ الأفراد بالإبتعاد عن جوف الأسرةوالعمل الجاد المستقل من أجل الحصول على فرص متعددة المجالات للإنتقال من مكان لآخر وعندما زادت فرص الحياة الإجتماعية وتعددت الأماكن التي من الممكن أن ترحل إليها الأسرة تراءت للمسؤول عن الأسرة إحتمالات عديدة فهو في خضم هذه الأحداث لم يستطع أن يحافظ على أسرة
متماسكة ومترابطة فالشاب أصبح يقضي معظم وقته مع رفاقه فيما تقضي الفتاة وقتها وحيدة تطالع شاشة الحاسوب أو شاشة المحمول الذي ترك بين يديها وهذه هي أسس الخلاف التي ظهرت في العهد الحديث ونتيجة للإنفتاح الإجتماعي والسياسي والأخلاقي أصبح هناك إنعدام للمسؤولية وتهدم للأخلاق الإنسانية والإسلامية وأصبح كل فرد في المجتمع يتصرف على هواه ولا تحكمه في الحياة أي قوانين أو قواعد وكانت الطامة الكبرى عندما تم الإنفتاح الحضاري من خلال الإنترنت والتلفاز وغيرها . فسؤالى الاَن ما هو الراعي ومن هي الرعية؟؟. فالراعي هو الشخص الذي كلف من الأمام أو من الله عز وجل بمراقبة الأشخاص المقربين منه سواء في الأسرة أو في العمل والتأكد من أستقامة حياتهم وسيرها بشكل صحيح وناضج فهو مكلف بذلك لأنه سيحاسب على ذلك فيما بعد والراعي هو الشخص المسؤول في نظر الناس والمجتمع عن مجموعة من الأفراد سواء في البيت أو في العمل أو في الرحلات وغيرها فرب العمل هو مسؤول والأم في بيتها مسؤولة والرجل في تأمين لقمة العيش مسؤول وحتى الشاب والفتاة فهما مسؤولان في الحفاظ على أنفسهما والمسؤول يعني الذي سيحاسبه الله فيما بعد على كل التصرفات الخاطئة التي تصدر منه بشكل أو بأخر أما الرعية فهو الشخص أو حتى مجموعة من الأشخاص الذين قدر لهم أن يكونوا تحت طائلة المسؤولية ليتحملوا فيما بعد تبعيات أعمالهم وما جنته أيديهم فالراعية هم أفراد الأسرة والعمال في العمل والأطفال في الحضانة وغيرهم وهؤلاء مطالبون بالإنصياع لأوامر الراعي لهم لأن أي خلل سيصيبهم هو من سيتحمل تبعات الموضوع وعليه فإنه واجب الطاعة نظراً لأن الحياة التي نحياها هي صعبة جداً ولا يمكن أن يقوم من خلاله الفرد بالمضي قدماً بدون الحصول على معلومات ممن يكبره سناً ومع ذلك فرغم وجود الراعي إلا أن هناك شيء يسمي الثقة التي لطالما أردنا أن نبنيها بيننا وبين الآخرين حتى أننا نشعر أن حياتنا لا شيء بدون الثقة فإن أستطاع الراعي أن يزرع في نفوس رعيته الثقة فإن ذلك يتضمن الحصول على ما تريد في الحياة بإذن الله فقط كن على يقين أن الراعي أوجده الله ليحميك ويحافظ عليك وعليه يجب أن تكون على قدر عال من الإحترام والتفاني في الأخلاق الحميدة .فجاءت الثورات في الشعوب كما المرجل الذي تحته نار يسخن فيه الماء ويسخن حتى يفور وينقلب سطح الماء إلى أسفل أو كما ترى في الحمى تصيب الجسم حتى يطهرأو البركان ينفجر فلم يعد يحتمل كبت الأرض.
فكلما زادت الفجوة بين الحاكم والمحكوم أقتربت الثورة وكذلك كلما أنشغل الرئيس بقضايا غير قضايا شعبه ففي الوقت الذي كان يعاني فيه الشعب المصري الفقر والمرض وظلم الأجهزة الأمنية كان “مبارك” مشغولاً بتوريث الحكم لنجله “جمال” وبمنتجعه بشرم الشيخ ومشغولاً بتحويل ثروات الشعب إلى حسابات سرية في أوروبا بل في الوقت الذي كان يمارس فيه التجويع على الشعب المصري كان مبارك يعمل على رفاهية الشعب “الإسرائيلي” بتصدير الغاز بأبخس الأسعار.
كان نظام مبارك يقرب رجال الأعمال الفاسدين بينما غيب الشرفاء وراء السجون.
كان الشعب يبغض مبارك وعائلته.. كما كان مبارك يبغض الشعب.
وفي مثل هذه العلاقة بين الحاكم والرعية يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ” (أخرجه مسلم ).
فالحاكم إذا كان صالحًا غرس له الله القبول في الأرض فأحبه الناس.
وطاعته لله تبعث الناس على محبته والناس في جملتهم لا يحبون إلا الأخيار .
وكان وعد الله لكل مسؤول يشق على رعيته أن يشق الله عليه فكانت عائشة رضى اللَّه عنها قالت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)رواه مسلم.
فالحاكم الذي يشق على شعبه بحيث يستحيل ذلك الحاكم عائقًا دون حرية الأمة وكرامته فالمصير المحتوم لهذا الحاكم من نفس الكأس التي جرع منها شعبه.. حتماً سيجرع كأس الذل إذا ما ساهم في ظلمهم فسوف يجرع مرارة الظلم حينما يأسره الثوار أو يطرده شعبه فيذهب إلى البلاد لاجئًا مضطهدًا بعدما كان في قومه ملكًا إذا ما شارك في تجويع الناس ونهب ثرواتهم.. فسوف يخرج منها فقيرًا حقيرًا
هذه سنه كونية!هذا الذي دعا عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بالمشقة فهل ترى له من نصير؟
كيف وإن سرق رعيته؟!
وحينما يسرق الراعي رعيته فقد صار أكبرلص في الأمة وتلك جريمة خصمه فيها ملايين البشر من شعبه فهو لم يسرق فردًا أو أسرة إنما سرقة أمة.
فماذا عساك أن ترى بعين النصف لذلك الحاكم الذي قام بتحويل مليارات الدولارات من ثروات الرعية إلى حساباته الخاصة في البنوك الأجنبية ثم هو قد توقع أن مصير هذه الأرصدة السرية قد يكون هو التجميد فعمد إلى شراء عقارات فارهة وفنادق عريقة في لندن وباريس بل في البرازيل كما فعل زين العابدين بن علي وصنعوا الخزائن المحكمة المصبوبة في تلك القصور البعيدة عن أعين الشعوب الجائعة وملؤا تلك الخزائن بسبائك الذهب المصكوك وقطع الجواهر الثمينةوالتماثيل الأثرية والعملات النادرة والأموال الورقية الهائلة إضافة إلى مادة البلاتينيوم التي تقول بعض التقارير الصحفية إن مبارك أخذ منها كميات تقدر قيمتها بـ 14 مليار دولار.
هؤلاء ينهبون هذه الأموال بهذه الطريقة الجنونية ظناً منهم أنهم بذلك يضمنون مستقبلاً كريمًا لهم وذرياتهم ونسوا أنهم يلصقون العار بأحفادهم فسوف يقول الناس عنهم هؤلاء أبناء اللصوص.
فقد يبن لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – مصير الراعي الذي يغش رعيته فقال في حديثه : عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول ( ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة ) أخرجه البخاري.
ويقول الإمام مالك رحمه الله ((لن يصلح اَخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)).
فكل النصوص تقول أن كل حاكم في شعبه وكل مسؤول في رعيته وكل موظف في مصلحة عامة وكل عامل في مؤسسة معنية بطائفة من الناس أى ((ما من راع إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه)) .
وفى النهاية أختم مقالتى عزيزى القارىء بالمقولة الشهيرة(( لا تسأل الطغاة لماذا طغوا بل اسأل العباد لماذا ركعوا)).
سلام يا بلد الكلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *