الأناضول – في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن بلاده ستطبع علاقاتها مع كوبا، بعد أن كان الحصار الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية أساس السياسة الأمريكية تجاه هافانا طوال أكثر من نصف قرن.
وفي خطاب متلفز من البيت الأبيض، قال أوباما، اليوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة “ستطبع علاقاتها مع كوبا”، و”سننهي سياسة عفا عليها الزمن في العلاقات مع كوبا”.
وعن أوجه تطبيع تلك العلاقات، أوضح أنه “سيكون هناك تعاون بين أمريكا وكوبا في مجالات مختلفة بينها مكافحة الإرهاب والمخدرات”.
ومضى قائلا: “طلبت من وزير الخارجية (جون كيري) الاتصال مع نظيره الكوبي لإعادة العلاقات وفتح السفارات”، متابعا: “سنعيد النظر في تصينف كوبا كدولة راعية للإرهاب”.
واستطرد بقوله: “صار بإمكان المواطنين الأمريكيين السفر إلى كوبا بشكل أسهل، وأصبح بإمكان الشركات الأمريكية تبادل البضائع والمعاملات التجارية مع كوبا”، مضيفا: “سأحاول إقناع الكونغرس (البرلمان) برفع الحظر التجاري المفروض منذ عام 1961”.
وفي وقت سابق اليوم، أفرجت كوبا عن عامل المساعدات الأمريكي، آلان غروس. وبالفعل، وصل غروس إلى قاعدة جوية قرب واشنطن، فيما ستفرج كوبا أيضا في وقت لاحق عن عميل للمخابرات الأمريكية تحتجزه منذ أكثر من 20 عاما، في مقابل افراج واشنطن عن ثلاثة كوبيين تحتجزهم الولايات المتحدة.
وقال مسؤول في الإدارة الأمريكية، طلب عدم نشر اسمه، لوكالة الأناضول، إن “السيد غروس تم إطلاق سراحه من قبل الحكومة الكوبية على أسس إنسانية، وبطلب من الولايات المتحدة”.
واعتقلت السلطات الكوبية غروس منذ عام 2009 بعد محاولته إنشاء منظومة إنترنت تتجاوز الرقابة الحكومية في كوبا، وذلك لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وسريعا، انتقد أعضاء في الكونغرس، سواء من الحزب الجمهوري أو الحزب الديموقراطي الذي ينتمي له أوباما، قرار الرئيس الأمريكي تطبيع العلاقات مع كوبا، إذ قال رئيس مجلس النواب، جون بينر، من الحزب الجمهوري، في بيان حصلت “الأناضول” على نسخة منه إن “العلاقات مع نظام كوبا لا يجوز مراجعتها، ناهيك عن تطبيعها، حتى يستطيع الشعب الكوبي التمتع بالحرية”.
ووصف بينر قرار اوباما بأنه “سلسلة طويلة من التنازلات الطائشة لصالح ديكتاتورية تعامل شعبها بوحشية وتتعاون مع أعدائنا”.
من جانبه، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي وممثل الحزب الديمقراطي في ولاية نيوجيرسي، روبرت مينانديز (من أصل كوبي)، في بيان حصلت “الأناضول” على نسخة منه: “تصرفات الرئيس أوباما بررت الأعمال الوحشية للحكومة الكوبية”، مضيفا: “لا وجه شبه بين عامل في المعونات الدولية (يقصد غروس) وآخرين مدانين بالتجسس تم اثبات تورطهم في مؤامرة لتنفيذ عملية تجسس ضد أمتنا”.
أما عضو مجلس الشيوخ، الجمهوري ماركو روبيو، الذي ينحدر من أصول كوبية أيضا، قال في مؤتمر صحفي عقده عقب خطاب الرئيس الأمريكي إنه “سيبذل كل جهد لمنع هذه المحاولة الخطيرة واليائسة (تطبيع العلاقات مع كوبا) من قبل الرئيس لتلميع ارثه على حساب الشعب الكوبي”.
وتابع أن “كوبا مثل سوريا وإيران والسودان تظل دولة راعية للأرهاب، وتواصل العمل بنشاط مع أنظمة مثل كوريا الشمالية لتقوم بتهريب الأسلحة عبر قارتنا، بطريقة تخالف العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي”.
وفي هافانا، قال الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، في ظهور تلفزيوني مفاجئ استغرق 10 دقائق مساء اليوم، إنه “كان هناك حوار عالي المستوى شمل مكالمة هاتفية مع الرئيس باراك أوباما.. استطعنا التقدم في حل بعض الموضوعات ما يحقق مصالح الأمتين”، حسب الموقع الإلكتروني لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
ودخلت كوبا، التي تبعد 90 ميل عن الساحل الأمريكي، في عداء أيدلوجي مع الولايات المتحدة، بعد الثورة الكوبية التي اندلعت عام 1959، وصعدت بفيدل كاسترو ومن بعده شقيقه رؤول، إلى قمة السلطة، حيث تبنت كوبا الايدلوجية الشيوعية والتقارب مع الاتحاد السوفيتي (تفكك عام 1991)، في حين كانت واشنطن تقود المعسكر الغربي الرأسمالي المناهض للشيوعية.
وبعد فشل محاولة من الولايات المتحدة للإطاحة بحكم فيدل كاستروا مطلع ستينيات القرن الماضي، عرفت باسم عملية خليج الخنازير (تأسست على جلب كوبيين مناؤين لكاسترو من المنفى وتسليحهم لإسقاط النظام الوليد)، اتفق النظام الكوبي والاتحاد السوفيتي على بناء قاعدة صواريخ في جزيرة كوبا، وبالتالي تصبح الولايات المتحدة في مرمى الصواريخ السوفيتية.
وقبل اكتشافها ذلك الاتفاق في أكتوبر/ تشرين الثاني 1962، كانت واشنطن تفرض حصارا تجاريا على كوبا (بدأ في 1961) ولم يكن هناك علاقات دبلوماسية بينهما.
ووضع اكتشاف واشنطن أمر القواعد الصاروخية، العالم على شفا حربا نووية مدمرة، إلا أن التصعيد بين القوتين العظميتين انتهى إلى توافق حول رفع القواعد الصاروخية، مقابل امتناع الولايات المتحدة عن غزو كوبا، واتفاق سري آخر التزمت بموجبه واشنطن بنزع الصواريخ النووية من تركيا.
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، استندت السياسة الأمريكية تجاه كوبا إلى انتقاد متواصل لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في هذا البلد مع استمرار الحصار.