الجنود المجهولون لأعمال الامتحانات في مصر يلقون المعاملة الأسوأ على الإطلاق من قبل الدولة التي لا توليهم أي رعاية وتضعهم في ظروف عمل بالغة الصعوبة والقسوة.
حيث يواجه الملاحظ أو المراقب أو باقي الهيئة المعاونة في امتحانات الثانوية العامة صعوبات السفر لمسافات تصل ل200 كم ذهابا للوصول إلى مكان لجنة الامتحان كل يوم في موعد لا يتعدى 8:30 صباحا ثم يقطعون مثلها إياباً للعودة لبيوتهم ليعيدوا الكرة في الصباح الباكر لمدة 20 يوما أو تزيد قليلا.
يُترك ملاحظوا الثانوية العامة بدون أي حماية حقيقة ليخوضوا معركة شرسة من التلاميذ وأولياء أمورهم لمنع الغش حيث لا تؤمن اللجنة من قبل الشرطة اللهم إلا بشرطي واحد ضعيف الحال ويكون عسكري أو رقيب بينما يوضع على الورق اسم 3 أو أربعه منهم ضابط أو اثنين وذلك لتقاضي مكافأة أعمال لم يقوموا بها. هذا العسكري ضعيف الحال لا بيهش ولا بينش كما يقول العامة ويكتفي بوضع فرد أمن أو أكثر من قوة اللجنة نفسها وغالبا ما يكون معلم هو من يقوم بهذه المهمة.
وكم رأينا بأعيننا وسمعنا من زملائنا حكايات الإعتداء اللفظي والجسدي التي تقع من التلاميذ على الملاحظين والمراقبين في لجان الثانوية العامة وكيف أن معظم الملاحظين ( وهم من يكونون داخل اللجان ويحكتون مباشرة بالتلاميذ) كيف أنهم يضطرون إلى الصمت على الكثير من جرائم الغش الخشن الصريح التي تحدث أمامهم خوفا من بطش التلاميذ بهم. ولست هنا أحكي عن أوضاع شاذة أو مثل ذلك، ولكن للأسف الشديد فإن هذا الوضع أصبح القاعدة في امتحانات الثانوية العامة وأصبح ضبط اللجان هو الشذوذ عن القاعدة.
إن الناظر الجيد والمهتم لفلسفة التعليم في مصر سيكتشف بكل سهولة أن الثانوية العامة هي العنوان العريض لكل العملية التعليمية بها حيث يكاد يتلخص التعليم في مصر في عبارة واحدة وهي: مجموع الثانوية العامة؛ فبناءً على هذا المجموع يتحدد مستقبل التلاميذ في مصر إلى حد بعيد. وطبقاً لهذه الفلسفة كان يتوجب على الدولة أن تعطي امتحانات الثانوية العامة نفس الاهتمام بمجموع هذه الشهادة، وأن تعطي القائمين على هذه الامتحانات الاهتمام المناسب وأن توفر لهم الأجواء المناسبة لإنجاز هذه المهمة بالشكل الأفضل الذي يساعد في حصول كل تلميذ على مجموع درجات يعكس مستواه الحقيقي ويؤهله لدخول الكلية التي تناسب مستواه. فإذا سلمنا أن أساليب الغش الناعم والعشوائية تحدث في كل دول العالم وفي كل مستويات التعليم وهي آفه معترف بها وتتم مقاومتها تبعا لمستوى كل ملاحظ وقدرته على الضبط وأنها لا تؤثر على نتيجة الامتحانات بشكل عام ويبقى تأثيرها ضيق الأثر وفي الحدود المسموح بها؛ إلا أنه لا يمكن التسليم بذلك في تناول أساليب الغش الخشن التي تتخطى استخدام التكنولوجيا أو التخاطب الخاطف إلى استخدام الأسلحة البيضاء أو التهديد بها أو اقتحام اللجان أو التهديد بذلك أو استعمال أساليب إرهاب الملاحظين والمراقبين بأنهم سوف يفعل بهم كذا وكذا إذا لم يستسلموا للغش حيث إن هذا النوع من أساليب الغش يؤثر بشكل كبير على تغيير نتائج التلاميذ ويرفعهم لمستويات ليس من حقهم الوصول إليها.
مما سبق يتبين أن حماية امتحانات الثاوية العامة والقائمين عليها وتوفير سبل الراحة والأمن لهؤلاء الجنود المجهولين هو واجب قومي ليس فقط على مسئولي وزارة التربية والتعليم ولكن على كل المسئولين في الدولة؛ وهو ما سوف نناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله.