يقول محمود درويش ((ليتنا أستطعنا أن نحب أقل …كى لا نتألم أكثر)).
فمن هنا أستطيع أن أقول لا لقاء بعد الفراق فمجرد إحساسنا بفقد إنسان قريب إلى قلوبنا وعزمة على مفارقتنا نشعر بالحزن العميق فكيف إذا غادرنا فعلاً؟؟فهل هناك ماهو أكثر ألماً من الوداع ؟؟فأنه يبدو لى أن أنتظار الوداع أكثر ألماً من حدوثه لا سيما أن كان واقعاً لا محالة فأحياناً يكون ترقب الحدث أكثر قسوة وتأثيراً على النفس من الحدث نفسه فأننا نشعر بألم عند تخيله وتعب من ترقبه فعدم القدرة على إستيعابه وتخيل حياتنا بعد ذلك يقولون لا لقاء بلا فراق وكأن هذه الحروف ستكفكف دموعنا وتشفى جراحنا وتجعلنا ننظر إلى الفراق كأى حدث عادى قد يكون الفراق حدث عادى موجود بوجود الإنسان وكلمة الوداع عادية تتكرر فى أحاديثنا وقصائدنا ولكن يبدو أن أكثر الأحداث ألماً هو ما يوصف بأنه عادى وما نقر وجزم بوقوعه وتمر علينا اللحظات بطيئة فنشعر بأرق يغادرنا وتغتال المرارة أعماقنا تطاوعنا دموعنا حيناً وتخوننا حيناً اَخر لتزيد من حرقة الاَلام داخلنا وما يزيد من متاعبنا عندما يجب نتألم بصمت حتى لانشعر بمن سيغادرنا فما أشد ما تتألم الروح عندما تكبل الأحزان داخلها حتى لا نبكى على من نحبهم بما نحمله من خوف ووهم ويكون بمثابة قتل للروح عندما نخفى دموعنا ونستبدلها بإبتسامة ونحاول أن نزرع بها بعض من السعادة فى قلب من سيغادرنا فى لحظات الوداع الأخيرة.
لكن برغم من غياب الأحباب وفقدهم إلا أنهم يظلون فى قلوبنا لا يغيبون أبدا تحيى صورتهم فى وجداننا الذكريات التى جمعتنا وتزيد من بريقها كل لحظة صادقة اَزارونا فيها وألتحمت مشاعرنافيها مع مشاعرهم فنشتاق إليهم يتعبنا الوجد تزورناأطيافهم فى أحلامنا تارة وفى يقظتنا تارة لتزيد من شوقنا إليهم ولتزيد من بغضنا لذكرى ذلك الوداع حتى ليبدو لى أحياناً أن مرارة الذكريات تشترك مع ترقب الحدث فى كونها أكثر مرارة من الحدث ذاته فنتمنى النسيان فلا نستطيع فيبدو لنا أن لا أمل فى النسيان ولا أمل فى اللقاء ولا طريق إلا التناسى فنخدع أنفسنا ونوهما بالنسيان حتى نضمد ولو ظاهرياً الجرح كمن يتناول المسكنات ويظل فى القلب أمنه أن لا يفارقنا عزيز ولو إضطررنا أن نكون نحن من نغادر أحبابنا فى وداع واحد ونبتعد حتى لا نفجع كل يوم بمن يغادرنا فسؤالى لك عزيزى القارىء هل الحل عدم التعمق فى علاقتنا مع الاَخرين وإنتهاج طريقة جديدة فى التعامل السطحى بدون أن يكون للمشاعر طرف فى علاقتنا؟؟وهل نكبح مشاعرنا مع البعض الذين نعرف أننا سنغادرهم لا محالة حتى لا نتألم عندما نفارقهم ونطلق لها العنان مع البعض الاَخر ؟؟وهل من الجنون أن نتمنى فى لحظة أن نكون أشبه من الإنسان الاَلى الذى لا يفقه معنى المشاعر والحب والغلا وألم الفراق ؟؟!!!. فلا ننسى أن أعماقنا بحر من الذكريات تهيجها جميعاً أى ريح خفيفة لذكرى موجعة يخطأ من يظن أن توقف دموعنا دليل على أننا ألفنا فقد من فقدانهم فكم هو مؤلم أن لا نستطيع البوح بما فى داخلنا وتصمت الكلمات على شفاهنا بالرغم من الحنين والشوق وقد يسكن التناسى الألم مؤقتاً لكنه ربما يضيعنا بعد ذلك أمام مرارة وجراح لا تبرأ ولا يتناقص ألمها فجميل جداً أن تزورنا أطياف من فقدناهم فى أحلامنا لكن قمة المرارة أن تكتشف بعد ذلك أنه كان حلم فأتمنى أن لا أفتح جروح أرواح عاشت تلك الشعور فعذراً لمن سيتألم فتلك هو الفراق فلا تتعجب …!!!!
وبرغم من ذلك فنظل نتألم ونتألم فهناك أنواع اَخرى من ((الألم))…!!!!
نتألم ..عندما نتعود على شخص وفجأه يغيب عنا .
نتألم ..عندما لا نجد من يفهمنا أو يحس بنا .
نتألم ..عندما تحب إنسان ومستحيل أن تراه.
نتألم ..عندما يموت إنسان فى عينى وهو حى.
نتألم ..عندما تحب شخص وأنت بحياته ليس لك مكان .
نتألم ..عندما يكذب أحد وأنت تعلم ولكن تصدقه لأنك تحبه.
نتألم ..عندما يجبرك الزمان على شىء أنت لاتريده.
نتألم..عندما نعجز عن الـبوح عما فى داخلنا.
نتألم .. عندما نرى من نـعشقهم ليسوا معنا.
نتألم .. فى لحظات أشتيـاقنا لهم ولا نـستطـيـع لو الـنطق بـكلمة ” أنا مـــشتــــاق “.
نتألم.. ولا أدري .. أنحن الذين نعجز عن الكلام أو الكلام هو الذى يعــجز عـنا؟؟!!..
ﻧﺘـﺄﻟﻢ .. ﻧـﻔـﺮﺡ .. ﻧﺒﻜـﻲ .. ﻧﻀﺤـﻚ! …
نتألم..يقولون أن لغة الصـمت أفضل لغة لـتعبـير .. فماذا لو عجز الصمت عنا!!!.
ﻭﻟﻦ ﻳﺒﻘـﻰ ﻣـﻨﺎ ﺳﻮي ﻣـا يتبقى ﻓﻲ ﺯﺟﺎﺟﺔ ﺍﻟﻌﻄﺮ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏـﺔ !!!.
ﺳﺘﺮﺣﻞ ﺃﺟﺴﺎﺩنا..ﻭ تبقى ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺫﻛـﺮﺍﻧﺎ!
فلماذا نحن نتألم ؟؟!
فروعة الحياة في العيون الحزينة جوهرة براقه.
فلا طعم للحياة بدون مشاكل ولا قيمة لها بدون متاعب ولا أثر لها بدون
صعوبات.
تماماً كما أن النهار لا طعم له بدون ليل والفرح بدون ألم والنجاح بدون التضحية والعلا بدون السهر فالحياة أكثر جمالاً وروعة في عيون المتعبين.
فالإنسان تجده يسعى ويحفى وقد أضناه التعب .
ولكن لايلبث أن يرى طفلاً يبتهج لإحسان قد قدمه له .
إلا وقد أنفرجت كل أساريره وراح كل تعبه .
والحقيقة ليست هنا .
فالحقيقة ..!!
شيء ندركه … وننساه.
نسعى وراءه …. ونبتعد عنه.
ولكن :
ما معنى أن تكون مهموماً أو حزيناً …..؟
ما معنى أن تتألم لكلام يقوله صديق عن صديقه ؟؟
أو تحزن من أجل جار فقد عزيزاً عليه ؟
ما معنى أن تبكي لحادث وقع لإنسان لا تعرفه ؟؟
ما معنى أن يتحرك قلبك لمأساة يعيشها أخوك ؟؟
ما معنى كل هذه الأشياء وغيرها؟؟
معناه أن تتعب …معناه أن تشقى .
معناه .. أن تضيف لرصيدك الخاص من المشاكل والمتاعب رصيداً جديداً .
معناه أنك إنسان … تعيش الحياة طولاً وعرضاً .
وبكل معاني الإنسانية التي أودعها الله فيك.
فأعلم عزيزى القارىء أن هذا هو الألم الذي يأتي على أحد من البشر .
يداهمه يكاد يحيله جثة خامدة جثة تتنفس … تتحرك …لكنها لا تشعر سوى بالكآبة والأنقباض.
وهنا تكمن الروعة ….وتتكون نعمة القدرة على (التألم) .
فالألم .. هو النار التي تصقلنا .
النار التي تجعلنا أكثر صفاءًا…النار التي تحول العظم داخلنا إلى ماس لامع براق فهو الأداة الغامضة التي تنبهنا إلى حقيقة أنفسنا فهو الأداة أيضاًالتي تفتح عيوننا على مواضع خللنا وعيوبنا فنسعى جاهدين على التخلص منها .
فالألم.. هو تلك القوة المبهمة المحركة التي تجعل عقولنا تسيطر على أنفسنا فتجعلنا نتراجع نفكرنتصرف بطريقةأخرى نقية صافية ومن هنا تنبع السعادة فنحن عندما نعاني نتعذب نتألم نصبح أكثر نضجاً وأكثر قدرةعلى التحمل وأكثرعطفاً على الآخرين وأكثر تسامحاً معهم وأكثر إحساساً المهم أن نكون أكثر إنسانيةوفى النهاية أقول لك عزيزى القارىء عندما لا نبكي فقد فقدنا الإحساس ولكننا نتألم لكي نتعلم فأننا نبكى لننسى وننسى لنعيش ونعيش لنحب ونحب لنبكى فهذه هى الحياة فلا تتعجب..!! فسحقاًلكل من عذب وخان وإستهان بمشاعر إنسان وكأنه لا يعلم بهذا الكون إله قادر على كل شىء وكما تدين تدان وكما قيل أيضاً أن لا زمان يعود ولا أحد يهتم ولا بشر تفهم فلماذا نتألم؟؟!!.