هذا العنوان يحمل العديد من المدلولات الهامة ، أولها : الفرق بين الدولة والفوضى ، فالدولة حماية ، الدولة أمان ، الدولة ثقة ، الدولة استقرار ، الدولة نظام ، الدولة مؤسسات ، الدولة أجهزة ، الدولة بنى فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية وتشريعية ، والفوضى على العكس من ذلك كله ، فهي اللانظام ، واللامؤسسات ، واللا أمان ، واللا استقرار ، واللا أمن ، وهكذا سلسلة من السلبيات لا الإيجابيات .
وقد حاول أعداء الأمة أن يُسوّقوا لهذه الفوضى ، وأن يجملوا وجهها ببعض المساحيق المسرطنة ، فقالوا : الفوضى الخلاقة ، والفوضى البناءة ، الفوضى الفاعلة ، في مؤامرات خسيسة ودنيئة وقذرة لتفكيك دولنا ، والوصول بها إلى دويلات صغيرة وعصابات متناحرة ، وبالأحرى اللادولة على نحو ما نرى حولنا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ، أو نحو ما حدث في الصومال وأفغانستان وغيرهما من الدول ، كل ذلك لتسهل السيطرة على هذه الدول ، ونهب خيراتها والاستيلاء على مقدراتها والتحكم في قراراتها وتوجهاتها ، أو التخلص من كيانها لو وجدوا إلى ذلك سبيلا، ونسج مسخ جديد منبت الصلة عن ماضيه وحاضره ، حائر متوجس من مستقبله ، أو لا أمل له فيه أصلا ، ونسي هؤلاء أو تناسوا عِبر ودروس التاريخ من أنه لا أمان لأحد في هذا العالم ما دام ظلم الإنسان والعمل على استعباده قائما، ويحضرني في ذلك قول الشاعر العراقي محمد مهدي الجوهري :
وما أنا بالهيَّــــابِ ثــــورةَ طامــــــعٍ
ولكنْ جِمــاعُ الأمرِ ثـــــــــورةُ ناقـــــم
فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُـهُ
ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِــــــم
نَذيرَكَ مِن شعب أُطيـلَ امتهانُــــه
وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المسالــم
سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد ، أم على مستوى الأمم والشعوب ، فما يحدث في شرق العالم نجد صداه في غربه ، وما يكون في شماله تجد أثره وصداه في جنوبه ، بل إن الجهات الأربع تتداخل وتتوارى وتتقاطع في ظل أدوات التواصل الحديثة والعصرية التي جعلت من العالم كله قرية واحدة ، على أن الإرهاب عابر للقارات ، متجاوز للحدود ، فكما نؤكد دائما الإرهاب لا دين له ، ولا وطن له ، ولا عقل له ، وكما قالوا : فإن خلائق السفهاء تعدي .
ولا شك أن الفوضى التي تحدث حولنا كان مخططا لها أن تدور في بلادنا ، لكن ما قامت به قواتنا المسلحة الباسلة بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية أفشلت مخططات أعدائنا وأربكت حساباتهم ، وكشفت مؤامراتهم الدنيئة تجاه وطننا وأمتنا ، وهو ما يستحق منا التحية والتقدير للسيد الرئيس ولقواتنا المسلحة الباسلة ، ويجعلنا نعلن بكل فخر واعتزاز ثقتنا الكاملة في قواتنا المسلحة والوقوف بكل ما أوتينا من قوة من خلفها ، مع تجديد الثقة والتفويض للسيد الرئيس سواء في مواجهة الإرهاب والتخريب ، أم في منطلق البناء والتعمير .
وهناك جانبان آخران من الفوضى يجب التصدي لهما بكل قوة وحسم :
الأول : ما ترمي إليه الجماعات الإرهابية من محاولة زعزعة استقرار المجتمع من خلال عمليات التفجير والتدمير وترويع الآمنين واستهدافهم وإطلاق الشائعات للتأثير على المجتمع وخلخلة ثوابته وثقته في قيادته ، وقد أكدنا من قبل وسنظل نؤكد أنه لا بد من محاكمة هؤلاء المجرمين بتهمة الخيانة الوطنية ، ففي الوقت الذي تحيط فيه بنا المخاطر من جوانب متعددة ، يحتاج منا جميعا أن نعمل وبكل حسم على تطهير جبهتنا الداخلية من الخونة والعملاء والمأجورين وأذناب الاستعمار وعملائه ، فعلى حد قول الشاعر العراقي ” محمد مهدي الجوهري ” :
ولقد رأى المستعمرون فرائسا
منا وألفـــــوا كلب صيد سائبــا
فتعهدوه فراح طوع بنانهـــــم
يبـــرون أنيابا لـــــه ومخالبـــــــا
مستأجرين يخربون بيوتهـــــم
ويكافأون على الخراب رواتبا
النوع الآخر من الفوضى : هو البلطجة الفئوية ، ومحاولة ابتزاز الدولة ، فقد مرت الدولة بمرحلة استطاع فيها بعض النفعيين والانتهازيين استغلال حالة الفراغ الأمني؛ للحصول على مكاسب أو مواقع لا يستحقونها ، أو غيرهم أولى بها منهم على أقل تقدير ، وقد أغرى ذلك بعض ضعاف النفوس ومازال يغري البعض بالسير في الاتجاه نفسه ، غير واعين بالمتغيرات ولا التحديات ، فقد عادت أجهزة الدولة الوطنية إلى ممارسة عملها الطبيعي وصارت تميز الخبيث من الطيب ، وتدرك أهمية اختيار الكفاءات الوطنية المخلصة ، وخطورة ماكان يتم في مراحل سابقة من الاستجابة لابتزاز الأعلى صوتا أو الأكثر قدرة على الحشد والإثارة والتهييج .
كما ينبغي أن يدرك الجميع أننا في مرحلة فارقة من تاريخنا سواء على مستوى الوطن، أم مستوى الأمة، أم مستوى المنطقة ، وهذا يستدعي من جميع الوطنيين الشرفاء إيثار المصلحة العامة على أي مصلحة شخصية أو حزبية أو نفعية ، وأن نعمل جميعًا على كشف المبتزين وأصحاب المصالح والمطامع والمنافع في أنانية مقيتة ، يقول سبحانه وتعالى ” وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” (يوسف : 21).