مزق دفاتره القديمة وسط صمت من الهمس ،إنطوت صفحات الشر وإندثرت إشاعاته القديمة ، لكنه يحمل جُرحاً لا يندمل وآلام لا تدفن فى الحياة ، ينظر إلى ماضية نظرة أخيرة يستطيع منها أن يوقظ أحلامه الوردية التى رسمها طيلة حياته ، يودع ماضية الذى عانى منه سنوات طوال ، تجرع فيه مرارات الحياة القاسية ، ذاق فيه الظلم أنواع ، تجعدع جبينه ، وظهر عليه الشيب قبل آوانه ، لكنه كان يعيش على أمل الخلاص من الآلم ، منتظراً الآمال التى كادت يداه تتعود على رسمه حتى على رملات البحر أثناء جلوسه شارداً فى التطلع إلى غداً يحلم فيه بإستقرار . إنطوت صفحات الماضى وسط صراعات نفسية وإجتماعية عاشها متحملاً ، ولم يكل ولم يئن أبداً ، يحمل آلامه بداخله ولا يشكوا همه لأحد ، ولكن وسط الآلام التى كان يعيشها يبقى الحب مهما طال به الأمد هو الأنيس الوحيد الذى يصادقه ويرافقه حتى فى أشد حسراته ولوعاته ، كان يملأ عليه وحدته ، كان ينظر إلى المستقبل وكأنه يراه بعيداً ولكنه يشعر به ، من خلال روائح عطرية تهفوا عليه من حين لأخر ، تراوده أفكار وأحلام وطموحات كادت أن تنفجر كبركان مملؤ بالحب لوطنه وأهله ، يرى أحبابه من حوله يعانون نفس معاناته ، رضى بالهم لنفسه ، ومن شدة حبه لمعشوقه كاد أن ينفجر بركانه ، صارخاً مفتكاً بقيود الحرية ، زاد الأمر سوءً وتعقيداً ، فلم يعد يتحمل الظلم ، ولا القهر ولا الفقر ، حاول أن يلملم دفاتره ، لكنها تبعثرت وتناثرت هنا وهناك ، وكأنها تتمرد وتتجرد من قيود العبودية ، فقد سئمت وريقاته الركود ، زادت حواراته مع وريقاته ودفاتره ، لم ينتج عن صراعه سوى أنه حان الوقت للتمرد ،إمتلئ قلبه بالجراءة ، وتحطمت داخله القيود ، وهواجس الخوف ، كلما مضى به الوقت ، كلما غلى بداخله البركان ، أصبحت الحرية بداخلة نيران تريد أن تخرج وتلتهم الأخضر واليابس ، الجميع يرى فى عينه آمالهم وأغراضهم سوف تتحقق من خلال ثورة كادت أن تنفجر بداخله ، لم يهدأ قلبه ولم تبرد ناره ، حتى إنفجرت ثورته ، وأعلنها للجميع ” لا قيود بعد اليوم ” ، وقف الجميع ينظرون إليه ، منهم من يضحك فى سخرية ، ومنهم من يريد أن يشاركه لكن ما زالت قيود الحرية مكبوته فى قلبه ، فى وقت ملأت روائح الحرية من بركانه أرجاء الفضاء ، إستنشقها الحضور ، ثاروا جميعاً ، هتفوا بصوت عالى ، ولكن وسوس بعضهم إلى البعض ، إحتالوا عليه ، حاولوا إخماد نار بركانه حتى لا تحرقهم ، ولكنه أصر على الإنفجار ،وسرعان ما إنفجر فى وسط الجميع مرة أخرى ، وحطم كل القيود ، مزق كل دفاتره القديمة ، ولكن …. هل ستعود إليه صاحبه الشعر الأسود ؟، و هل ستعود إليه صاحبة العيون التى إختلطت بلون الزرع ومياه النيل و دماء الشهداء ؟ هل سيستنشق عبيرها الذى أنار ظلمة شبابه ، ووحدته ؟ هل ستبعث فى روحة وقلبه التفاؤل والآمل الذى عاش طيلة عمره يحلم به ؟ وياهل ترى ستتحق الإبتسامة الرقيقة العزبة التى إلتقيا عندها فى طفولتهما وتواعدا أن يكملا حياتهما كعصفوران يداعبان بعضهما البعض بروحمها المملوءة بالجمال والنفس المفعمة بالرضا ، بعد أن ” حطم دفاتره القديمة “