لن يكون حديثي هنا فقط عن حالة الجدل الصحفي الدائرة والتي يمكن أن تتحول الي أزمة حقيقية بين ذراعي الصحافة ” المطبوع * الالكتروني ” أو بالآحري يراد تصويرها كذلك ممن يقفون خلف الستار المشبوه. لتسير القضية في الطريق المرسوم لها سلفا وتصل للنتيجة الحتمية المخطط لها تماما.
نعم لن أنساق وراء حالة الاتهام والاتهام المضاد والتلاسن والتصنيف والتقسيم والتشويه وكل هذه الفيروسات القاتلة التي سممت كل قضايا الوطن محاولة النيل منه في غياب واضح لدور الدولة في قضايا يمكن أن تتحول الي أزمات اذا استمر تجاهلها وتركها لآصحاب المصالح والنفوز والآجندات المشبوهة والمتلاعبين بأمال وألام شباب الكنانة.
والسؤال هنا أين الدولة..؟؟!!!
القضية يا سادة ليست مجرد قضية “صحفي الكتروتي” يطالب بحقه الطبيعي والاعتراف به واستيعابه ضمن المنظومة الشرعية الطبيعية للدولة. لآن الصحافة الالكترونية هي التطور الطبيعي للصحافة المطبوعة في عصر التكنولوجيا والعولمة والسموات المفتوحة. والذي يتحتم علي الدولة ليس مواكبته فقط ولكن وضع الخطط والاستراتيجيات القصيرة والبعيدة الآمد لاستيعاب تلك المتغيرات المتسارعة والمتلاحقة واستغلالها والاندماج الايجابي معها .
القضية دونما رتوش أو تجميل أو مواربة هي قضية جماعات المصالح والاجندات المشبوهة والكيانات المتاجرة بالشباب التي استغلت الوهن المؤقت الذي أصاب جسد الوطن لتتصارع علي تقطيعه وتقسيمه كما تتصارع “الآكلة علي قصعتها” اما بالتأمر أو لزيادة النفوز أو من أجل المكسب السريع والغير شريف.
وتعزيز دور الدولة في مثل هذه القضايا يعني أن هناك أمل في بناء مؤسسي حقيقي للدولة المصرية والذي بدونه لايمكن أبدا التصدي للمخططات والمؤامرات التي تحاك لها.
أمثلة بسيطة لـ”غياب الدولة” ونتائجه:
فاذا أردنا أن تكون الصورة واضحة وكاملة فلابد أن نتحرك قليلا خارج الكدر الضيق الذي نتحدث فيه عن قضيتنا “الصحافة الالكترونية”, لنري المشهد من بعيد وندرك خطورة غياب الدولة وترك المسرح للمتلاعبين. فمثلا اذا تكلمنا عن قضية ليست ببعيدة عن الصحافة وهي “الاعلام” وهما قضيتان متلازمتان ومن أخطر القضايا لآنهما المرأه الحقيقية لآي مجتمع وخطورتهما تكمن في أنهما المكون الرئيس لفكر ووجدان أي مجتمع والمحركان للرأي العام داخله. ولا أريد هنا أن أغوص في التفصيل والتأصيل فجميعكم أوعي مني به. ولكن الشاهد هنا أنه حينما تم اضعاف المؤسسة الاعلامية الوطنية وعلي رأسها “تليفزيون الدولة” المنوط به أن ينقل الصورة الحقيقية للمجتمع ويصنع رأي عام ايجابي حول قضاياه الوطنية بعيدا عن المسمي سيء السمعة “تليفزيون الحكومة”, ظهرت ونمت وترعرعت تلك الكيانات الخاصة التي اغتصبت هواء المصريين ولوثته. بل وأصبحت كثيرا من هذه النماذج السيئة التي اقتحمت علينا بيوتنا من خلال تلك الفضائيات تنصب نفسها الواعظ والمرشد والملهم والمعلم لشعب هو علي فطرته النقية أوعي وأخلص من تلكم النماذج التي تتمتع بجهل مخزي, لا يليق بكنانة الله في أرضه والتي من المفترض أنها التي تقود قاطرة الريادة لمنطقتها أن يكون هؤلاء هم من يتحدثون عنها. وحتي كثير من المثقفين منهم أصبح أثيرا للمادة علي حساب وطنيته. فمعظم ملاك هذه الكيانات الصحفية والاعلامية لا تأتي علي أولوياتهم فكرة الدولة والوطنية بقدر المصلحة والنفوز أو في بعض الآحيان الاجندات المشبوهة التي تتأمر علي الدولة. فهم يحركون القضايا والرأي العام لدعم مصالحهم أيا كانت. بل والآخطر أن كثيرا من هذه الابواق الاعلامية التي تحاول التظاهر بمناصرة الرئيس وتنصب مواكب الرياء والنفاق حوله باتت عبئا ثقيلا ومضافا علي أعبائه وتأتي بنتائج عكسية بسبب الصورة الذهنية السلبية التي تكونت تجاههم في أذهان المصريين نتيجة التناقضات والتقلبات السريعة في مواقفهم.
أما القضية الثانية والتي نضرب بها مثلا أخر فهي قضية ” مؤسسة الآزهر ” التي تم اضعافها عن عمد خلال الحقية الماضية من حكم “مبارك” وما قبلها لتظهر كيانات موازية تم تصنيعها وتدعيمها بأجندات خارجية مدروسة ومؤقته بتوقيتات دقيقة, بزريعة وهن وضعف الخطاب الديني للآزهريين, وظلت تنموا وتترعرع هذه الكيانات حتي تمدتت جذورها في المجتمع المصري, وباتت قنابل موقوتة أشعلت الفتنة حين تم التصدي لها. وكل ما مضي ليس مسئولية النظام الحالي. ولكن ما تلام الدولة والنظام الحالي عليه هو ترك العنان للاعلام الذي انحرف عن دوره وأصبح صانعا للآزمات ومؤججا لنار الفتنة, وحول قضية “محاربة التطرف والارهاب” ودعوة الرئيس “السيسي” المخلصة والمبنية علي سماحة الاسلام ورحابته وسعته بـ”تجديد الخطاب الديني” الي دعوة للانحلال والتفريط وهدم ثوابت الدين, فظهر علي الشاشات من يدعو جهرا الي هدم “تراث الصحابة والتابعين” بل ووصل به وبغيره الشطط الي أن يطالب باغفال “السنة النبوية” بكاملها ووضعوا السم في العسل واجتزءوا بلا ضمير أو وعي ما يجعل الصورة ملتبسة لدي ضعاف الايمان. ثم تدرح بهم الشطط حتي وصل مداه تحت مسمي “حرية الرأي والتعبير ومواكبة العصر” مطالبين بتجاهل تفسير العلماء والمتخصصين لآيات “الذكر الحكيم” وترك استخراج الآحكام واستباطها والعمل بها لكل انسان حسب هواه وغرضه, وهنا غياب لدور الدولة فلا يعفيها أبدا أن تعلق غيابها علي شماعات “حرية الراي والاعلام وغيرها,,”.
نعود لقضيتنا “الصحافة الالكترونية” فنطالب بـ”عودة الدولة” وعدم ترك الشباب فريسة لآصحاب المصالح أو الآجندات أو الكيانات المتاجرة. وتحرك الدولة السريع والمبني علي الحوار والرؤية المستقبلية واحتواء قضية الصحافة الالكترونية, واستيعاب صحفيوها داخل منظومة شرعية مؤسسية. سيفوت الفرصة علي من يريدون استغلالها لخدمة مصالحهم أو اثارة الفتنة وتسييس القضية.
لابد من اسراع الحكومة بتكوين “لجنة وطنية” من خبراء الصحافة والاعلام المشهود لهم بالوطنية والاخلاص وهم كثر, لعمل حوار حقيقي مع أصحاب القضية الآصليين. والخروج برؤية استراتيجية تستطيع استيعاب هؤلاء الشباب داخل المنظومة المؤسسية للدولة ليكونوا وقودا حقيقيا لدعم نهضتها وتطورها وهم قادرين علي ذلك باذن الله بما يملكونه من وطنية وحماس وايجابية.
وأتمني أن تكون حركة الدولة ومبادرتها سريعة ومواكبة للسرعة الالكترونية لهذه القضية, وعدم انتظار تكوين “المجلس الآعلي للاعلام” الذي يخشي أن يتحكم فيه رجال الآعمال وأصحاب المصالح الذين لن يسمحوا لما اقتنصوه من نفوز وقوة من خلال الكيانات الصحفية والاعلامية التي تعمل لحسابهم أن ينال منه. فهم من الآن يقاومون ويحاولون تسييس القضية ويصوروا أصحابها علي أنهم معادون للدولة وتحركهم أصابع خارجية. فتتحول الدولة من دور الداعم والمستوعب الي دور المحارب لهم. لذلك علي الدولة التحرك من الآن وتفويت الغرصة علي هؤلاء.
وكما أننا نطالب بوضع الخطط والاسترتيجيات لتقوية دور “الآزهر” وعودته الي وضعه الطبيعي كمؤسسة عالمية للوسطية الاسلامية والخطاب الديني المستنير لنشر تعاليم الدين السمح “التزام في غير تطرف ويسرا في غير تفريط”, وكما نطالب وندعم اتجاه الدولة لوضع الخطط والاستراتيجيات التي تضمن قوة “التليفزيون المصري” ليكون الظهير الوطني القوي في وجه أي كيانات مشبوهة وأن يستعيد ثقة المواطن مرة أخري. فاننا نطالب وندعم بنفس القدر والوطنية أن تمتلك الدولة زمام المبادرة لقضية “الصحافة الالكترونية” وعدم تصويرها علي أنها صراع بين الآلكتروني والمطبوع فكلاهما مكملا للآخر. ليبقي المنطلق والهم الوطني هو المحرك الآول للجميع بعيدا عن المستفيدين وأصحاب المصالح والمتأمرين.
وقا الله مصر شر الفتن وأخذ بناصية المسئولين لما فيه صلاحها واصلاحها…