أخبار عاجلة

صلاح عبد الصبور يكتب.. “الطريق لإنهاء الفوضى التشريعية في الإعلام المصري ..”

في الوقت الذي كان الغاء وزارة الإعلام مطلبا مهنيا مجتمعيا لثورة 25 يناير وما بعدها من احداث، وذلك للتخلص من هيمنة الدولة على الإعلام، أصبحت الفوضى التشريعية تهدد بشكل كبير العمل الإعلامي في مصر، ولكن في المقابل بات أمامنا فرصة اعتقد أنها تاريخية للحصول على هذا المكتسب الثوري والإصلاحي في الإعلام المصري، ولعل ما تشهده الساحة الإعلامية من حالة فوضى ستصل بنا إلى أحد ثلاث طرق ربما الأكثرها مثالية هو التخلص نهائيا من سيطرة الدولة وهذا ما سيجني ثماره المجتمع والمهنة معا في المستقبل.
الأن تحقق المطلب المهني والمجتمعي بإلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بهيئتين ومجلس مستقل، فالمواد الدستورية الجديدة 211 و 212 و 213 تشير إلى وجود هيئات مستقلة لإدارة الإعلام الحكومي والخاص في مصر بكافة وسائله الورقية والإلكترونية والمرئية والمسموعة.
و ورغم أن الإعلام المصري هذه الأيام يعاني من حالة فوضى تشريعية بكل المقاييس أدت إلى اختلاف الأراء حول ما ينتظره الإعلام من قوانين لتنظيمه، وتساؤلات مستمرة حول دور الدولة في ذلكـ وهل سنتخلص من هيمنة الدولة وتأثيرها وإلى أي مدى يتحقق هذا الحلم؟.
لعل العمل الذي بدأ منذ نحو 5 شهور، ومازال مستمرا في اللجنة الوطنية للتشريعات الإعلامية والصحفية، سيصل بنا إلى أحد ثلاثة طرق هي : إما إعادة دور المجلس الأعلى للصحافة ووزراة الإعلام في التنظيم بمسميات جديدة بإعطاء صلاحيات أكبر للسلطة التنفيذية في إدارة الهيئات والمجالس المستقلة أصلا وفقا للدستور، أو الطريق الثاني وهو استثمار كافة الصلاحيات في المواد الدستورية أثناء وضع اللوائح والقوانين والتخلص نهائيا من سيطرة الدولة عن هذه الهيئات وضمان استقلالا حقيقيا في القانون وتطبيقاته، أو الطريق الثالث وهو المزج بين هذا وذاك.
ودارت الاجتماعات داخل اللجان الفرعية للجنة الوطنية المكونة من 50 إعلاميا وصحفيا وخبيرا متخصصا في مصر بسرية تامة، بالتزامن مع وضع لجان استماع للحصول على أراء المعنيين في المؤسسات الصحفية والإعلامية، وكان الاتجاه إلى سرية المناقشات يهدف إلى عدم التأثر بمجتمع المصالح وتداخل الاختصاصات أثناء وضع اللوائح والقوانين المنظمة للهيئات المنوط بها تنظيم الإعلام مستقبلا، وتسعى اللجنة إلى الانتهاء من كافة القوانين والتشريعات المنظمة قبل البرلمان المصري المنتظر، لإقرارها والتخلص من حالة الفوضى التشريعية.
في اعتقادي كأحد أعضاء اللجنة أن الدور الذي تقوم به هذه اللجنة هو دور تاريخي بكل المقاييس، لأن مخرجاتها من قوانين ستضع الصورة التشريعية لمستقبل الإعلام في مصر، وربما لا يلتفت الكثيرين لأهمية هذا الدور، ويتحدث عن ضرورة الإسراع في وضع القوانين المنظمة مهما كانت النتائج التي نصل إليها، وذلك بسبب ضغط حالة عدم الاستقرار في الإعلام بكافة ألوانه الورقية والإلكترونية والمرئية والمسموعة.
إن الحالة الراهنة لتشريعات الإعلام المصري، أنهت دور المجلس للصحافة، الذي كان يعتمد في تشكيله واختصاصته على اختيارات مجلس الشورى الذي ألغي أيضا بقوة الدستور ، وكذلك أنتهى دور وزارة الإعلام التي الغيت بالفعل، وذلك وفقا لنصوص المواد الدستورية 70 و 211 و 212 و213 ينتهي أيضا قانون تنظيم الصحافة 96 لعام 96 الذي لم يعد ممثلا لصلاحيات الحالة الدستورية الجديدة.
ليس أمامنا وقتا طويلا لينتهي دور المجلس الأعلى للصحافة الذي كان منوط به تراخيص الصحف الورقية، وفقا للمادة 211 من الدستور ستتحول صلاحياته إلى المجلس الأعلى للإعلام، ، ووفقا للمادة 70 من الدستور لم يعد إصدار الصحف الورقية بالترخيص، بل أصبح بالإخطار، وهذا الأمر يتطلب وضع النماذج المنظمة لذلك الإخطار، وهذا الوضع ينبئ مستقبلا باصدار مئات الصحف بعد الانتهاء من وضع القوانين المنظمة لذلك، الأمر الذي سيضع أيضا نقابة الصحفيين المصرية في مأزق شديد للغاية والتي كانت تعتمد في عضويتها للصحفيين الذين يعملون في صحف مرخصة من المجلس الأعلى للصحافة، وهذا الدور سيتم انتقاله إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والذي سيكون من مهامه أيضا تصاريح القنوات الفضائية وتنظيم الإعلام المرئي والمسموع وكذلك الصحافة الإلكترونية.
وفي المادة 70 من الدستور هناك إشارة مهمة لتنظيم الصحافة الإلكترونية في الفقرة الأخيرة من المادة “وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية”، وتأتي المادة 211 لتحدد الجهة المانحة للتراخيص وهي “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” حيث تشير المادة إلى اختصاصات المجلس “يختص المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئى، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها”.
ولعل تنظيم الصحافة الإلكترونية هو الأكثر جدلا لعدم وضوح الرؤية المستقبلية لذلك، حيث أن مئات بل آلاف الصحف الإلكترونية في مصر تصدر بدون أي قوانين منظمة لها، قبل هذه المواد الدستورية، والاتجاه إلى تنظيمها يصنع حالة من الخلاف بين من يسعى إلى إطلاق كافة الحريات للصحف الإلكترونية بدون قوانين ومن يعاني من عدم وجود تشريعات منظمة تضمن حق المجتمع وكذلك العاملين في هذه المهنة.
والوصول لهذه النقطة بوضع المعايير والإجراءات التشريعية لتراخيص الصحف الإلكترونية يفتح بدوره المجال للحديث عن أهمية إطلاق نقابة خاصة للصحفيين الإلكترونيين في حالة عدم قدرة الجمعية العمونية لنقابة الصحفيين من الوصول إلى صيغ قانونية تستوعبهم، ولعل القوانين المنظمة لتراخيص الصحف الإلكترونية هي المقياس المرجح لشروط العضوية بالنقابة المهنية للصحفيين الإلكترونيين، ولكن إلى أي حد ستكون شروط التراخيص مقيدة لاطلاق المزيد من الصحف وتحقيق مبادئ التنوع والتعددية وكذلك منع الاحتكار، هذا الأمر ربما يكون معركة الصحفيين الإلكترونيين الحقيقية.
وبجانب القوانين المنظمة للإعلام، بات من الضروري الانتهاء من القوانين المنظمة للعمل النقابي للعاملين بالإعلام في مصر، فأصبح لدينا مطلبا مجتمعيا ومهنيا بضرورة وجود تنظيمات نقابية مهنية للصحفيين الإلكترونيين وكذلك الإعلاميين، وهذا ما قام به بالفعل العاملين في المهنة وذلك بعد العمل علي وضع القوانين المنظمة لهم قبل سنوات حتى قبل دعم المواد الدستورية لذلك، فالآن اصبح أمام لجنة الإصلاح التشريعي بمجلس الوزراء قانونا جاهزا لنقابة الإعلاميين، وآخر لنقابة الصحفيين الإلكترونيين، وهما الحل الأمثل لتنظيم العمل النقابي للصحفيين والإعلاميين في مصر، حيث بات لا بديل عن إقرار هذ القوانين من خلال رئيس الجمهورية أو من خلال البرلمان المقبل لوضع حد للفوضى التشريعية والقانونية لتنظيم العاملين بالإعلام المصري.
وفي ظل حالة الفوضى التشريعية والإعلامية يرى البعض أن على رئيس الجمهورية سرعة إقرار قوانين إنشاء المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام بمجرد الانتهاء من وضعها في اللجنة الوطنية للتشريعات الإعلامية، وكذلك سرعة إقرار قانوني نقابة الإعلاميين ونقابة الصحفيين الإلكترونيين التي تم الانتهاء منهما بالفعل ويتم مناقشتها في لجنة الإصلاح التشريعي، وذلك قبل البرلمان القادم، لضمان تقليص حالة الفوضى والتجاوزات الإعلامية لضمان إعلام متوازن أثناء الانتخابات البرلمانية المقبلة والمقررة في وقت قريب من هذا العام أو في بداية العام القادم
وهناك من يرى أنه يجب أن تعطى فرصة أكبر من الوقت للإعلاميين والصحفيين لمناقشة قوانينهم المنظمة لفترة أطول لضمان مشاركة أكبر وعدم انفراد الرئيس بوضع تشريعات وقوانين منظمة للإعلام، وربما يكون الرد على الرأي الأخر أن القوانين يتم وضعها من أصحاب المهنة انفسهم، فقانون نقابة الصحفيين الإلكترونيين تم وضعه من قبل مؤسسي النقابة المستقلة للصحفيين الإلكترونيين التي تعمل في الدفاع عن حقوقهم منذ أكثر من 4 سنوات تحت قانون النقابات العمالية، وكذلك نقابة الإعلاميين كانت مطلبا إعلاميا منذ أكثر من 15 عاما.
وربما المؤشر إلى وجود حالة ملحة لإقرار قانون نقابة الصحفيين الإلكترونيين، هو حالة الاهتمام الكبير من الوسط الإعلامي بقانونها الذي تم تقديمه قبل يناير الماضي إلى لجنة الإصلاح التشريعي، وكذلك حاجة الصحفيين الإلكترونيين أنفسهم إلى نقابة تدافع عن حقوقهم ويكون لها نفس الصلاحيات القانونية الممنوحة لنقابة الصحفيين الحالية والتي أعلنت بدورها أكثر من مرة من خلال نقيبها السابق ضياء رشوان ومجلسها استحالة تغيير قانون النقابة لضم العاملين بالصحف الإلكترونية، والأمر الذي يتم ترديده كثيرا من مجلس النقابة الحالي وأعضاء عموميتها رغم تيقنهم بأهمية احتواء الصحفيين الإلكترونيين.
وفي الطريق للتخلص من الفوضى التشريعية في الإعلام المصري نتوقف عند مصالح متناحرة أحيانا ومتناغمة أحيانا أخرى.. وفي كل الاحوال نتمنى أن يصل بنا هذا الطريق إلى تحقيق مكتسب من مكتسبات يناير المجيدة بالتخلص من هيمنة الدولة على الإعلام وفتح المجال الحقيقي ليضع الإعلاميين والصحفيين قوانينهم بأنفسهم ويدافعون عن مهنتهم ويطورنها مستقبلا بإرادتهم، وربما يكون الوصول إلى الصيغ المناسبة لضمان الحماية النقابية للصحفيين الإلكترونيين والإعلاميين هو الضمانة الحقيقية لتطوير الإعلام والارتقاء بالكوادر الإعلامية والصحفية والذي سيؤدي بالضرورة إلى توفير الرسائل الإعلامية الواعية والنزيهة التي تؤدي إلى رقي وعي المجتمع وإصلاحه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *