بغض النظر عن مساحات الاتفاق والاختلاف حول مواقفه السياسية أو رموزه الوطنية فإن (حزب الوفد) يبقى فصلا مهما من فصول التاريخ المصرى المعاصر، وتزعم بفاعلية فى لحظات عصيبة من هذا التاريخ بلورة موقف شعبى موحد يرفض الاحتلال ويصر على الاستقلال التام.
فلا أتخيل من هذا المنطلق الوطنى أن أحدا بوسعه التغافل عن أخبار الانقسام الوفدى الداخلى المقلقة فضلا عن أن يفرح بها أو يرتاح لها.. أما من يقف خلف تأجيجها وسكب الوقود على حريقها فأمر وطنيته مفروغ منه منذ زمن.. والحقيقة أنه لا يخفى ذلك فى أى محفل محلى أو دولى.. لسانه دوما ما يخذله!
وأما على صعيد العمل السياسى فليس من مصلحة أربابه أن يفقدوا لاعبا محوريا بحجم الوفد حتى ولو كان منافسا شرسا فى الانتخابات المقبلة، لأن العقلاء ــ وحدهم ــ يعلمون أى خسارة نتكبدها كلما قل عدد المتنافسين أو همش دورهم، والعقلاء ــ وحدهم ــ يعلمون أن التعددية الناضجة أفضل لنا بكثير من الانفرادية الطائشة.
لا أستسيغ تناول تفاصيل أزمة الوفد الداخلية بشىء من التفصيل احتراما لحقوق الزمالة والتزاما بمبدأ قطعه حزب النور على نفسه منذ البداية، لكنى أشير فقط مجرد الإشارة جازما ومتيقنا إلى طرف حزبى خارجى يعبث فى الكواليس الخلفية إما محرضا أو ممولا أو مستفيدا من تصدع البيت الوفدى الكبير.. طرف إما أنه أراد رد صاع انسحاب الوفد من قائمته صاعين، وإما أراد انتهاز الفرصة ليزيح منافسا مخضرما من طريقه.. بأحط وسيلة ممكنة!
(قرصة أذن) أرادها بعض المتنفذين ربما.. مازالت أساليب نظام مبارك هى الأثيرة عندهم.. والحق أن اللائمة لا تقع عليهم.. قدر ما تقع على السياسيين أنفسهم الذين سمحوا لمثل سياسة (فرق تسد) أن تتسلط عليهم!
والحق أيضا أن رجل الأعمال المتهرب من الضرائب المحتقر لشعبه المستقوى بالغرب على وطنه قد تمادى فى أوهام الزعامة إلى حد بالغ الخطورة.. لم يكفه شراء نواب برلمانيين ولا دفعه رشاوى انتخابية بالملايين ولا سعيه المستميت للعبث بوعى المصريين ومحاولاته المتكررة تمييع هويتهم.. بل اتسعت شهيته ليخرب الأحزاب التى استعصى عليه شراؤها.. الهدم عنده أسرع وأسهل!
من المنظور الحزبى الضيق أعضاء (الوفد) هم أحق من يتكلم عنه بلا شك.. لكن حينما يكون (الوفد) أمام أزمة مصيرية سيتضرر من جرائها الوطن كله، فلا يمكن وقتها أن يقف الجميع موقف متفرج أو متربص.