سواء أكان القائل ذلك القول ( لو أُمرنا بالجزع لصبرنا ) هو عبد الله بن عباس أو الحسن البصري أو يونس بن عبيد أو غيرهم ، فالمستفاد منه أنه لا يجب على الإنسان ( صحيح العقل والإيمان ) أن ينظر إلى مجرد معاندة الغير أو مخالفة المبدأ أو حتى مجرد ( نصرة ذاته ) ، حين يكون في مقدوره ألا يكون ( عناديا أو عِنَديا ) لمجرد العِند ، ويكون في مقدوره الخضوع لصحيح الأمر ، وليس لقدر الآمر أو مكانته ارتفاعا أو انخفاضا ، فضلا عن أنه لا يجب أن يعبر عن عِنْد نفسه تعبيرا ( عصريا انتقاصيا ) وقد يفتخر به حين يقول إن ( دِماغُه جزمة قديمة ) ومُش هيعمل غير كده.
وما يقلقني حقا هو ازدياد نسبة ( العِناديين أو العِنَديين ) بين المصريين في هذا العصر العجيب حقا بأفعالنا الأعجب ، فما أن تأمر أحدهم بأمر صحيح ، ولو بينك وبينه ، حتى يتولد في نفسه ( رغبة دفينة شريرة ) وعزم شديد على ( مخالفة الأمر ) ، ليس بالنظر إلى مطلق الأمر في ذاته ، ولكن بالنظر إلى الآمر في حد ذاته . وللأسف لم يعد هذا التصرف ( الاعتراضي ابتداءً ) مقتصرا على فئة معينة ، بل أصبح ( موجة عصرية عاتية ) تسري في كيان الجميع ( إلا من رحم ربك بفهم فلسفة الطاعة حق فهمها ) ، فما العمل إذن ؟
قد يقترح البعض اقتراحاً عجيباً يجعلك تدفع العناديّ أو العِنَديّ إلى فعل ( ما تريده منه ) حتى لو كان مخالفا لصحيح المنقول أو لصريح المعقول ، وهو أن تأمره ( بفعل عكس ما تريده منه أصلا ) ، وحيث أنه عنادي أو عِنَدي سيفعل بطبيعة عِنده خلاف أمرك له ، وهو المطلوب لك أصلا . لكن ما العمل إذا ( فَقَس ) أي فهم العنادي هذه الحيلة وأطاع أمرك وفق صورته ( غير المقصودة منك بحسب حاله العنادي ) ؟ هل تصارحه بما كنت تقصده ؟ وإذا صارحته بمقصودك فما يدريك أنه سيعند ويفعل خلاف مقصودك ؟ وإذا استمر على ذلك العِند فهل ستقطع صلتك به ؟ وإذا كان ( لابد ) من استمرار علاقتك به فما العمل إذن ؟ تلك أسئلة إشكالية عصرية في فهم الطبيعة العنادية أو العِنَدية . لكن بداية طرح حلولها هو أن ( يعزم ) الإنسان بينه وبين نفسه أن ( يجتهد في فهم فلسفة الطاعة ) بحيث لا تكون نفسه عِناديّة أو عِنَديّة . وأن يعرف شيئا عن ( طائفة العِناديّة أو العِنَديّة ) في تاريخ الفكر الإسلامي ، فقد يستفيد منه في حل هذه الإشكالية المعاصرة الطاغية