أخيرا رضخ سيب بلاتر لكل الضغوط التي طالبته بالاستقالة من منصبه كرئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم، بعد خمس سنوات كاملة من الشبهات حول تورط محتمل للسويسري العجوز في فضائح مالية هزت أركان الفيفا.
بلاتر صمد دائما، وحرص في كل حين على أن يلقي برجاله من السفينة فور تكشف شبهات حول فسادهم، ليظهر قادرا على الاستمرار في قيادة الفيفا، لكنه وجد نفسه أخيرا مضطرا إلى التنحي، بعد أيام قليلة من إعادة انتخابه رئيسا للاتحاد الدولي بأغلبية كبيرة.
أول ضربة قوية تلقاها الرجل كانت في أكتوبر 2010، عندما كشفت تقارير نشرتها صحيفة “صنداي تايمز” الإنجليزية”، أن عضوي اللجنة التنفيذية للفيفا، رينالد تيماري “تاهيتي” وعاموس أدامو “نيجيري”، عرضا بيع صوتيهما في التصويت على الدولتين اللتين ستضتيفان بطولتي كأس العالم 2018 و2022، حينها بدأ الرجل في التضحية بمساعديه، واتخذ قرارا بإيقاف العضوين، وأربعة مسؤولين آخرين جميعهم أعضاء سابقين بتنفيذية الفيفا.
بي بي سي أيضا ألقت بثقلها الإعلامي في الملعب، وأجرت تحقيقا صحفيا خلص إلى أن ثلاثة من اعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي تقاضوا رشىً، وأن نائب رئيس الاتحاد جاك وورنر كان يزود تجار السوق السوداء ببطاقات دخول إلى المباريات.
ورغم كل الشكوك المحيطة بالملفين، منحت الفيفا في ديسمبر من العام نفسه شرف استضافة البطولتين إلى روسيا وقطر على الترتيب، والأزمة التي ظلت تطارد بلاتر منذ ذلك الحين أن القوة العظمى في العالم سياسيا “الولايات المتحدة”، كانت أحدى المتنافسين على شرف استضافة البطولة التي فازت بتنظيمها قطر، بينما كانت حليفتها الأقرب “انجلترا” تنافس روسيا على استضافة بطولة 2018.
السياسيون ألقوا بكل ثقلهم بعد القرار، فتوجه رئيس الوزراء الروسي “في ذلك الحين” فلاديمير بوتين بالشكر “من أعماق قلبه” للفيفا لاختيار بلاده، معتبرا إن الاتهامات التي وجهها البعض بالفساد لأعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا “غير مدعومة بأية أدلة أو أسباب أو تبريرات”، لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي شارك في وفد بلاده إلى زوريخ إلى جانب الأمير وليام حفيد الملكة والنجم ديفيد بيكام، قال إن عدم فوز انجلترا بشرف استضافة بطولة كأس العالم 2018 يمثل “خيبة أمل كبيرة، معتبرا أن ملف بلاده كان الأفضل.. “لكن ذلك لم يكن كافيا” بنص قوله الذي كان يلمح بقوة إلى “فساد الفيفا”.
الرئيس الامريكي باراك أوباما تدخل هو الآخر بعد خسارة بلاده للسباق مع قطر، معتبرا أن القرار “خاطيء”.
الحلقة التالية ظهرت في منتصف العام التالي، حين اتهم اللورد ديفيد تريسمان، الذي كان يشغل منصبي رئيس لاتحاد كرة القدم في بريطانيا ورئيس لجنة ملف بلاده لاستضافة كأس العالم، خمسة اعضاء من اللجنة التنفيذية للفيفا بطلب الحصول على رشاوى لمنح انجلترا اصواتهم في التصويت على استضافة المونديال، في تحقيق برلماني بشأن خسارة انجلترا للسباق، دعمته “صنداي تايمز” بتحقيق قالت فيه إن خمسة من
أعضاء اللجنة التنفيذية، بينهم أربعة صوتوا لصالح الملف القطري، أحدهم رئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو، بالحصول على رشاوى في نفس السياق. حينها أرسل الفيفا طلبا رسميا لنظيره الانجليزي و”صنداي تايمز” لتزويده بالمستندات الدالة على اتهامات ملف قطر لاستضافة كأس العالم 2022، لكن الفيفا لم يعلن بعدها عن مصير التحقيقات التي قال إنه أطلقها.
وفي نفس الشهر، مايو 2011، تخلص بلاتر من ذراعه الأيمن المتمرد محمد بن همام، حين قرر الترشح لمنافسه بلاتر على عرشه الأثير، حيث أُجبر على الانسحاب مبكرا من السباق بعد مزاعم بتقديم 40000 دولار كرشاوى لمندوبي منطقة البحر الكاريبي في مقابل دعم حملته الانتخابية. حظر على أثرها من ممارسة نشاطات كرة القدم مدى الحياة.
ولم تنس الولايات المتحدة ثأرها لدى الفيفا، حيث قرر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية “إف بي آي” في نهاية العام نفسه فتح تحقيق في نزاهة اختيار البلدان المستضيفة لبطولة كأس العالم لكرة القدم عامي 2018 و2022 في روسيا وقطر، تضمنت استجواب أعضاء من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، حول أي انتهاكات لاحظوها في عملية التصويت.
الفيفا تأخر كثيرا في التعاون مع التحقيقات الأمريكية، قبل أن يعلن في نوفمبر من العام الماضي أن المدير التنفيذي السابق للاتحاد الدولي تشاك بلايزر، أصبح مكلفا رسميا بالتعاون في هذا الصدد، قبل أن يقرر الفيفا في الشهر نفسه إغلاق الملف نهائيا.
الضربة الأكثر شراسة لبلاتر جاءت قبل يومين فقط من اجتماع الجمعية العمومية للفيفا لإعادة انتخابه، حيث ألقت السلطات السويسرية القبض على سبعة من كبار مساعدي الرجل بطلب من نظيرتها الأمريكية، في إطار التحقيقات حول ملفي روسيا وقطر، تبعها قرار سويسري وانجليزي بفتح تحقيقات في السياق ذاته.
بالتزامن، استقبل الرجل ضربات قوية من حلفاء سابقين داخل الفيفا بينهم ميشيل بلاتيني، الذي أعلن رسميا دعمه لمنافس بلاتر، الأمير الأردني علي بن الحسين في انتخابات الفيفا، داعيا أعضاء اليويفا للتصويت له، وهي خطوة سبقه وتبعه فيها كثيرون، وتدخل السياسيون مجددا، في بريطانيا بالذات، حيث أدلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزيرا خارجيته وثقافته بتصريحات معادية لبلاتر وداعية للإطاحة به، لكن روسيا وقطر قررا الوقوف بجانب الرجل الذي يرجع له الفضل الكبير في تتويجهم باستضافة الحدث الكروي الأبرز عالميا، ليس فقط بتصريحات بوتين الداعمة له، بل باستخدام الثقل السياسي لروسيا والاقتصادي لقطر في إجبار دول تربطها مصالح بالدولتين، بينها 15 دولة أوروبية حسبما قالت “دايلي نيوز” الإنجليزية”، على التصويت للرئيس المستقيل، ليتلقى الأمير الأردني طعنات متتالية من حلفاء مفترضين، ويضطر للانسحاب بعد الجولة الأولى للتصويت، التي منحت بلاتر 133 صوتا، مقابل 73 فقط للشاب الطموح.
وتقول صحيفة “الجارديان” البريطانية إن الحصار على بلاتر ضاق بشدة في وقت مبكر من اليوم، بعد ما قالت إنها “أدلة قاطعة” أظهرت الامين العام للفيفا جيروم فالكه كان يعرف أن مسؤولين من جنوب أفريقيا دفعوا 10 مليون دولار للرئيس السابق الكونكاكاف جاك وارنر، وصفها محققون أمريكيون بـ”الرشوة”.