العمر وسنينه
علقت منذ فتره قصيره علي مسخ الأذواق واعتيادنا علي القبح في حياتنا فقلت:
(ما الذي حدث….اصبحت اكوام الزباله لا تثير بنا اي احاسيس سلبيه بل بدأنا نشعر بالغربه عندما تختفي لدقائق….عربات ونصبات الفاكهه والخضار تأكل ماتبقي من الشار.ع.. ولا أي اندهاش …. مقاههي ومعارض السيارات …تلتهم اﻷرصفه ان وجدت…عادي جدا …. الشارع ….الفاظ بذيئه وعبارات جارحه في كل مكان…وكلنا عاملين من بنها أو أبعد قليلا….
يبدو اننا فقدنا……..)
تلقيت بعدها الكثير من التعليقات التي تشاركني الرأي بل وصلت بعض التعليقات الي القول بأننا قد اصبحنا من منتجي القبح نفسه والقي الجميع بأللائمه علي شركات النظافه وسلوك البشر. اليوم أجد نفسي مدينا بالأعتذار للجميع علي تلك النظره السوداء المتشائمه الي القبح واكوام القمامه .
وحتي لا يحسبني البعض من فئه اعداء النجاح وخصومه قررت ذات ليله ان أكون منصفا ومتفائلا وانظر الي نصف الكوب الممتلئ بدلا من نظرتي المتشائمه الدائمه الي النصف الفارغ فقط من الكوب. جلست لعده أيام أتأمل تل رائع من تلال القمامه التي اسعدنا الله ووهبها لنا بالقرب من منزلي فقد حبانا الله بقطعه ارض خلاء أنقذتها العنايه الالهيه من ايدي البنائين قساه القلوب قبل ان يتم رفعها الي عنان السماء ببرج عاج يسكنه البعض من اصحاب الملايين الغلابه باختصار اصبحت قطعه الارض تلك( خرابه عظيمه). كما يطلق عليها بعض السذج من أمثالي وبالطبع فأينما وجدت خرابه فيلزم لها بالتأكيد اكوام وتلال من القمامه والزباله حتي يكتمل جمال وجلال تلك القطعه الفنيه فلا خرابه دون زباله.
خرجت من تأملاتي تلك بأخطاء عظيمه أعتذر عنها واندم للمره الثانيه.
وجدت حول اكوام القمامه حياه بريه رائعه لمن يعشق سياحه السفاري فحولها يتجمع كل اصناف الكائنات البريه الحيه منها بل والميته أيضا من حيوانات وطيور وحشرات بل وكثير من البشر أيضا وجدتها مثل الانهار في البريه التي تعرضها قناه الناشيونال جيوجرافك بل وأعظم من تلك الافلام.
تعلمت من اكوام الزباله والمجتمع المحيط بها انه يمكن ان تتحول
اشد العداوات واقسي انواع الكراهيه الي الي مهادنه بل وصداقه وأمن وأمان اذا توفرت لها الظروف المواتيه وأهمها واقواها هو توافر الطعام لكل المخلوقات .كيف لا والان ولكثره الطعام وتوافره الي حد الرفاهيه يتصادق القطط والكلاب والعرس والفئران والعصافير والغربان وكل منها ينعم بما لذ وطاب من طعامه المفضل في مائده متجدده كل دقائق بنظام طعام طازج وصحي وخال من الكوليسترول والالوان الصناعيه والمواد الحافظه ومكسبات الطعم واللون. الطعام لكل فم ..الانتاج وفير فلماذا نتصارع اعتقد ان ذلك لسان حال الجميع ….الكل يأكل في هدوء ودعه سلام وامان ونظام وترتيب وان كان به بعض العنصريه والاستقواء ولكن لا مانع اذا كان الطعام وفير هنا دستور يحترمه الجميع ويقدسونه فصدر المائده(اقصد كوم الزباله) لكبار الكلاب واقواها تصول وتجول كما يحلوا لها يليها ويجاورها كبار القطط ووقطيطاها متلازمين لا يبتعدون عن بعضهم البعض وفي اطراف كوم القمامه وضواحيها تنتشر العرس والتي تخلت عن عدائها الشديد للقطط ولكنها لم تتخلي عن حرصها ويقظتها احتياطا لأي تغير سلوكي طارئ من قبل اعدقائها من القطط عملا بنظريه (من خاف سلم) و(أمن ولا تخون) .
حول هذا المشهد وفي اكنافه تمارس صغار الكلاب وشبابها اللهو والهزار ومشاكستها بعضها البعض وسط احساس بالأمن والأمان بالقرب من امهاتها. أمأ الفئران فحتي الآن تعمل بنظام (اخطف واجري) فهي لا تأكل الا بعد ان ينتهي الجميع من الاكل فتأخذ حاجتها من الطعام وتذهب سريعا الي مخابئها وكيف لا وهي مضر الامثال في الجبن والتخاذل.
الغربان ايضا لها نصيب مما كسبت وللعصافير ايضا نصيب اما الغربان فهي تأكل اينما شاءت وكيف شاءت طوال النهار وتحمل ايضا ما تشاءالي صغارها في اوكارها كخدمه الديليفري او توصيل الطلبات للمنازل……والعصافير برقتها المعهوده وترفها لا تاكل الا بعد تنظيف تلال القمامه ورفعها من قبل سيارات جمع القمامه لتلتقط بقايا حبات الارز البسمتي والفاخر لا ارز المجمعات وايضا بقايا الخبز. وتلال القمامه ايضا ملتقي العشاق من الكلاب والكلبات يتسكعون حولها في موسم التزاوج حيث تصبح الكلبه منهم هي نجم الحفل يتجمع حولها وخلفها الكثير من الكلاب يتركون لها تل القمامه بأكمله لتفتتح هي الوليمه دون ايه مضايقات يتمني كل منهم نظره قبول او استلطاف او ان ترمق ايا منهم بنظره اعجاب.
من أغرب المشاهد التي يمكن تصورها مشهد استجد بعد ان قررت الحكومه السنيه رفع القمامه بالسيارات ألا وهو كما اطلق عليه (النباش) هي مهنه جديده في عالم القمامه فقد اصبحت القمامه لا تصل الي مستحقيها من العاملين في مقالب القمامه الاهليه بما تحويه من اوراق الكارتون وزجاجات البلاستيك وعلب الصفيح فقرر جامعي القمامه الذهاب اليها من المنبع ليجمعها النباش.
وفي الليل وقرب الفجر يخرج علي مجتمع القطط والكلاب والعرس والفئران احب واهم شخصيات المجتمع القمامي وهو النباش الذي يمثل لديهم متمم اللذات ومجمع الكلاب والكلبات كيف لا وهو يقوم بفتح وتمزيق اكياس القمامه السوداء لينعم هو بما ينفعه وبالتالي ينعم الجميع بما لذ وطاب داخل تلك الاكياس السوداء اللعينه. وعندما يطل النباش بطلعته البهيه يجتمع الجميع حوله هائمين به عشقا ولوعه حتي ينتهي من بعثره وشق قلوب تلك الاكياس السوداء.
لليل شجونه واشجانه ولكن لليل ايضا اوجاعه والامه وعبره ودورسه وكذلك للكوب الممتلئ الي نصفه أحكام وتأملات…..
ومنذ اليوم اصبحت انظر الي نصف الكوب الممتلئ فهو كل الحكمه عصير التأملات ومن هذا النصف اكتشفت كيف أن مجتمعات الحيوانات قد تفوق في بعضها كثير من مجتمعات بني الانسان وأن الطعام والاكل ايضا كالعدل ….