نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا حول علاقة فرنسا بالمملكة العربية السعودية في سياق حديثها عن قضايا حقوق الانسان لاسيما قضية المدون المعتقل في السعودية رائف البدوي.
وقالت الصحيفة إن مصالح اقتصادية حساسة أصبحت الآن تميز العلاقة بين البلدين، خاصة مع حاجة فرنسا لإرساء عدة تغييرات على هذا الصعيد.
وأضافت الصحيفة أنه لم يعد بإمكان السياسة الخارجية لبلد مثل فرنسا الاقتصار على مسألة حقوق الإنسان ومحاولة البروز بمثالية، إذ لا بد من حماية حقوق الفرنسيين بالخارج، ودعم “نظام” دولي يتماشى وتوجهات البلد وأولوياته الداخلية، مثل التشغيل الذي يرجح كونه أحد أهم العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية لفرنسا.
وكانت حكومة فرانسوا أولاند قد اختارت، بحسب الصحيفة، أن ترتبط بعلاقات مميزة مع السعودية من دون بقية بلدان الخليج العربي، باعتبارها إحدى أبرز البلدان العربية السنية والشريك التجاري الرئيسي لفرنسا بالمنطقة، علاوة على كونها من أكثر البلدان انتاجا للهيدروكربون.
لكن الصحيفة تقول إن السعودية تعد حاضنة للعديد من التوجهات الموصوفة بالتطرف، فضلا عن انتشار ممارسات توصف بالتشدد داخل حدودها وسعيها لنشر هذه الممارسات في المنطقة.
ويعتبر كاتب التقرير أن تصدير المملكة “المنهجي” للفكر الوهابي هو المسؤول عن تعزيز الفكر “المتطرف” في ساحل إفريقيا وأوروبا، قبل أن يعود ذلك عليها بالوبال هي الأخرى.
وفي هذا السياق، عرجت الصحيفة على قضية المدون السعودي الشاب رائف البدوي، الذي سعى للوقوف ضد “التأويلات الراديكالية للإسلام”، الأمر الذي أفضى إلى تثبيت الحكم القاضي بسجنه لمدة عشر سنوات، ومنعه من مغادرة الأراضي السعودية لعشر سنين أخرى، مع جلده 1000 جلدة على امتداد 20 أسبوعا.
ورأت الصحيفة أن هذا الحكم الصادر في حق المدون الشاب يحمل أبعادا أخرى عدا تلك الإنسانية، حيث أن محاربة تنظيم الدولة في العراق وسوريا وإفريقيا، والحيلولة دون انتشار الفكر “المتطرف”، لا يمكن أن يقتصر على الحل العسكري، إذ لا بد من مجابهة هذه الظاهرة إيديولوجيا عبر دعم التوجه الإسلامي الإصلاحي في كل مكان، ومن هنا يأتي الاهتمام الفرنسي بقضية رائف البدوي.
و من جهتها، طالبت الخارجية الفرنسية بتخفيف الحكم عن المدون الشاب، غير أن العلاقة الوثيقة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية قد تحول دون تدخل فرنسا بعمق في هذه القضية. فقد تخيرت الحكومة الفرنسية، بحسب لوموند، دعم الموقف السني ضد الشيعة في المعركة الكبرى التي تخوضها المنطقة اليوم، حيث كانت قد أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب “الثيوقراطية” السعودية التي تتزعم الدول السنية ضد “الثيوقراطية” الشيعية الإيرانية التي تقود الجانب الشيعي.
وتتساءلت الصحيفة عن سر هذا الموقف، بل إنها ترى أن إيران أكثر “تحررا” في مجال الحقوق والحريات الدينية والفكرية والثقافية والسياسية، وأكثر انفتاحا على العالم، ورغم أن حقوق الإنسان تواجه عدة انتهاكات في هذه الدولة التي يزيد برنامجها النووي من نسبة الحذر إزاءها، يبقى المجتمع المدني الإيراني أكثر ديناميكية وأقرب للنموذج الغربي من المملكة العربية السعودية، حسب تقدير الصحيفة.
وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أن قضية المدون السعودي الشاب رائف البدوي تضع الديبلوماسية الفرنسية أمام خيارين استراتيجيين، من شأنهما الحد من خياراتها الإقليمية. إذ على فرنسا أن تكون قادرة على التعاطي مع كل من الرياض وطهران كما تحاول الولايات المتحدة فعله، وتحديد ما إن كان الأمر متعلقا بحقوق الإنسان أم لا.