انا من جيل تربى في الستينات والسبعينات على المثل الأعلى فكنا في مرحلة نعومة الأظفار مابين الطفولة والشباب نبحث عن القدوة الحسنة في كتاب ندخر من مصروفنا حتى نشتريه بقروش زهيده قبل ظهور الانترنت وعالم الفيسبوك وماشابه الآن من العوالم الافتراضية والتي بحثت فيها عن المثل الآعلى فلم اجده كان المثل الأعلى بالنسبة لنا زعيما سياسيا او معلما او كاتبا او ممثلا او لاعبا رياضيا او حتى شخص عادي في تصرفاته البسيطة يصبح مثلا وقدوة لنا الغريب ان المثل الأعلى الآن مختلفا شكلا وموضوعا إن وجد بل اصبح المثل الأعلى شيئا افتراضيا ايضا لا يعبر عن قيمة عليا أو قدوة حسنة !!
ومن أجمل ما تربينا عليه نحن جيل السيعينات عندما كنا في الجامعة حب الوطن وان كنت دخلت الجامعة ومعي ذخيرة من حب الوطن تكفي مشاعر العالم كله تعلمته في مدينتي و شارعي وانا صغيرا مع رفاقي في بورسعيد فقبل 67 عشقنا مصر في شخص وكاريزما عبد الناصر الذي كان يحل ضيفا علينا في الثالث والعشرين من ديسمبر كل عام وهو ذكرى دحر العدوان الثلاثي عام 1956
وبعد 67 وقعت الهزيمة التي فضلنا ان نسميها نكسه من منطلق رفضنا للهزيمة وليس لعدم الاعتراف بها وقد دفعنا حب مصر للاحتشاد الوطني كي نستبدل الهزيمة نصرا وكنت ورفاقي لم نتجاوز بعد المرحلة الاعدادية وعندما هجرنا من بورسعيد مع اشتداد مرحلة حرب الاستنزاف في 1969 تعلمنا اصول حب مصر من جديد في منظمة الشباب الاشتراكي التي زودتنا بالمعرفة السياسية الى جانب عشق الوطن وهو الامر الذي كان له ابلغ الاثر عندما التحقنا بجامعة القاهرة في 71 وكان قد رحل عن عالمنا جمال عبد الناصر في سبتمبر 70 وشهدت مصر تغيرات سياسية انعكست على الجامعة التي شهدت بدورها انقساما ايديولوجيا بين اليسار واليمين وحتى اليسار نفسه كان منقسما بين الناصريين والماركسيين وحتى قبيل حرب 73 لم يكن في الجامعة سوى اليمين الليبرالي اما التيار الديني كان متواريا على استحياء .
في ذلك الوقت تظاهرنا ليس ضد نظام او حاكم ولكن تظاهرنا من اجل حب مصر فلم نخرب او نحرق منشأت عامة او خاصة ولم نوقف دراسة او نعطل وسائل نقل عام كنا نطالب بألا يعلو صوت فوق صوت المعركة وبعد انتصارنا في 73 وتصادف شهر رمضان تظاهرنا ايضا عندما حدث تغير نوعي في توجهات مصر الاقتصادية تحت مايسمى الانفتاح الاقتصادي وهذا كان من اجل مصر وواجهنا نمو التيار الديني المدعوم من نظام الرئيس السادات الذي دفع به الى الجامعة لمواجهة التيارات اليسارية لا سيما التيار الناصري الذي قوي عوده وانتشر في شكل نوادي سياسية اثرت بشكل فاعل في مسار الحركة الطلابية المصرية وهي حركة وطنية استمدت زخمها من حب الوطن الذي هو من حب الله ولم يكن الوطن ابدا وثنا وعلمه صنما كما يزعم دعاة الارهاب واصحاب الافكار المتطرفة الذين وقف الى جانبهم السادات ولما اشتد عودهم اغتالوه جهارا نهارا في ذكرى يوم احتفاله بانتصار اكتوبر رمضان الذي حققه الجيش المصري في 6 ساعات !!
ولست ادري لماذا ربطت كل هذه الذكريات بشهر رمضان ؟؟ ربما لأن الصيام نوعا من مجاهدة النفس وما عانينا منه في السبيعنات كان مرتبطا بنوع مشابه من المجاهدة من اجل تحرير الارض وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وهي روح نفتقدها اليوم وبعد ثورتين مصر مازالت في حاجة الى روح رمضان اكتوبر 73 لعبور عنق الزجاجة من اجل حياة حرة كريمة وللتصدي بكل حسم لاعداء الحياة الذين يستكثرون علينا الهدوء والاستقرار مع زعيم اختارته الأمه اكثر ما يميزه الصدق والنقاء !!
جريدة أحوال مصر
