كان من الضروري الانتقال لنقطة مهمة وهي التفكير في تطوير الآداء بشكل مهني , لكن لابد ان نشير هنا الى ان ماسبيرو هو إنعكاس لما يحدث في الشارع المصري وكان لايمكن الانفصال عن الحالة العامة التي كانت تتسم في ذلك الوقت بالضبابية وعدم الوضوح فنحن نتحدث في ثلاثة أو أربعة أشهر بعد قيام الثورة حيث نجد ان سقف المطالب الفئوية قد إرتفع وازدادت الوقفات الاحتجاجية في كل مكان في مصر ولم تنقطع الاعتصامات من ميدان التحرير وطوال الفترة التي نتحدث عنها 2011- 2013
وزاد على ذلك ظاهرة سلبية تمثلت في قطع الطرق وكانت مصر بشكل عام تعاني من اختلال امني ربما غير مسبوق اقول ان كل مايحدث في الشوارع والميادين كان له تأثيره على اداء العاملين في ماسبيرو حيث زادت تجمعاتهم خارج مكاتب القيادات بالمبنى وفي البهو الرئيسي بمدخل ماسبيرو .
واذا كانت الاحتجاجات والوقفات هي امرا طبيعيا لحالة الحراك الثوري الموجودة بعد ثورة يناير إلا أنه على المستوى المهني كانت هذه الظواهر خاصة داخل مبنى مثل ماسبيرو تمثل معوقا للعمل لان وظيفة رئيس قطاع الاخبار هي مراقبة جودة الآداء وتطوير الشاشة ومواكبة وملاحقة الأحداث أولا بأول وأي تردد أو تهاون سيؤدي الى غياب تليفزيون الدولة عن المشهد وهوالأمر الذي كنت أحرص على تجنبه حتى في أشد الظروف ضغطا وصعوبة !! .
ويمكن التأكيد على أن فترة الثلاث سنوات قد حققت رقما قياسيا في التغطيات الاخبارية المباشرة وهو إنجاز أعتز به فقد نجحت إدارة الاذاعة الخارجية بالقطاع في الانتشار شبه اليومي في مناطق الأحداث بشكل سريع وهو مالم نراه اونعهده في تليفزيون الدولة من قبل الثورة كانت الاذاعات الخارجية قاصرة على تغطية نشاط رئيس الجمهورية والحزب الحاكم والمناسبات الوطنية الدورية وأعتقد ان هذا تطورا فرضته الظروف التي مر بها الوطن ورؤيتي لدور الإعلام في المرحلة الحساسة من تاريخ مصر فلم يكن معتادا أن يرى المتلقي اذاعة خارجية مباشرة بشكل يكاد يومي لتغطية الاحداث في الشوارع والميادين من قبل التليفزيون الرسمي وقد ادى هذا التطور في آداء قطاع الاخبار الى الاسترداد التدريجي لثقة المشاهد فقد حرصت على نقل الحقيقة فتم التحول من القنوات المنافسة الى قنوات التليفزيون المصري خاصة القنا الاولى وقناة النيل للاخبار وفي ظل الازمة ارتفعت اسهم راديو مصر الذي اصبح اهم قناة اذاعية اف ام في مصر .
وحرصنا في مجال خدمة ما بعد الخبر ان نقدم متابعة حية لتطورات الاحداث تستمر بالساعات بحيث نعطي المجال للرأي والرأي الآخر ولم يكن هناك إقصاء او إستثار لاحد وكان مايميز هذه الفترة وجود قوى وطنية متعددة من اقصى اليسار الى اقصى اليمين فيما كان هناك تيار ينمو رويدا رويدا بعد الثورة هو تيار الاسلام السياسي والمتمثل في جماعة الاخوان المسلمين والتيار السلفي .
وهكذا اصبح تليفزيون الدولة هو تليفزيون الشعب يستقبل كل الاتجاهات ويتحدث عبر شاشاته كل الشخصيات حتى هؤلاء الذين ما كانوا يقتربون من رصيف ماسبيرو قبل الثورة كان لهم وجود ورأي على الشاشة . وقد يعتقد البعض ان المجلس العسكري الذي تولى السلطة السياسية في اعقاب ثورة يناير قد مارس ضغوطا لتوجيه اعلام الدولة واسجل للتاريخ انه لم يكن ضغوطا تمارس علي انا شخصيا لكن كان هناك تنسيقا مع المجلس العسكري وحوارا مفتوحا بيني وبين اعضاء المجلس العسكري واتذكر منهم اللواء مختار الملا واللواء اسماعيل عتمان الذي كان مديرا لادارة الشؤن المعنوية بالقوات المسلحة نتناقش ونتحاور و يتم اتخاذ القرار المناسب في النهاية وللحديث بقية .
اشير الى علاقة الثقة بيني وبين د. سامي الشريف الذي كان يقوم باعمال وزير الاعلام ورئيس للاتحاد وفي هذا السياق انوه الى واقعة وهي اننا استدعينا الى مجلس الوزراء لمقابلة رئيس الوزراء في ذلك الوقت د. عصام شرف حيث كان يود الالتقاء بالقيادات الاعلامية وفي هذا اليوم تعرفت لاول مرة على اللواء طارق مهدي عضو المجلس العسكري الذي لعب دورا مهما في هذه الفترة عندما كلف بالاشراف على الاعلام بعد ما تم اعفاء د.سامي الشريف .
اجتماع مجلس الوزراء كان هدفه التعرف على القيادات الاعلامية الجديدة وفي الوقت نفسه الاستماع الى ارائنا في احوال الاعلام بعد 25 يناير وشرح وجهة نظرنا في سبل تطوير الاعلام الرسمي في المستقبل وقد تحدث رئيس الوزراء ثم استمع الى كل منا حتى جاء دوري في الحديث حيث اكدت على اهمية التفرقة بين اعلام الدولة واعلام الحكومة وقلت له اننا لسنا اعلام الحكومة لاننا يجب ان نبني نظاما اعلاميا جديدا اعلام الدولة هو اعلام الشعب دافعي الضرائب حيث انه اعلام الخدمة العامة من هنا يجب الا تكمم الافواه والا تكون هناك اي محاولات لعودة الاعلام الى ماقبل 25 يناير حتى نسترد ثقة المتلقي .
ثم استطردت بالقول خلال الفترة القادمة سيأتي نظام سياسي جديد ولم يكن يدور بذهني ان النظام القادم هو نظام الاخوان وحتى يتحقق ذلك لابد من ان يقف الاعلام على ارض صلبه ويقوى لانه اذا جاء النظام الجديد في ظل اعلام ضعيف فان تجربة ماحدث قبل ثورة يناير ستتكرر مرة اخرى لكن الدولة ستقوى بالاعلام القوي الذي سيكون سندا لدعم الممارسة الديموقراطية .
والحق يقال ان د. عصام شرف كان متفهما لما قلته والحقيقه انا لم اعرفه جيدا الا بعد ان ترك الحكومة واقتربت منه اكثر من خلال الصالون الثقافي الشهري لصديقنا المشترك الطبيب والشاعر الكبير احمد تيمور حيث ان عصام شرف رجل حالم هادئ عالم بتخصصه يحب مصر جاء الى رئاسة الوزارة في ظرف ضاغط لكن الرجل حاول وان كان عهده قد شهد العديد من الاحداث الجسام التي سيتناول هذا الكتاب اهمها !.
ويمكن القول ان الظروف الضاغطة كانت على الجميع بما فيها الاعلام وما حدث بعد 25 يناير كان انهيارا في كل شئ فقد كان هناك نظام اعلامي قبل 25 يناير سواء اتفقنا او اختلفنا معه هذا النظام قد انهار وحتى اليوم مازلنا نبحث عن نظام اعلامي جديد لكن في الفترة محل الحديث عنها كانت فترة ضبابية غير واضحة المعالم وكان من المفروض ان يتوقف الهدم ونبدا في البناء سياسيا واقتصاديا وامنيا وليس في مجال الاعلام فقط لكن ماحدث ان الامور كانت تتجه من سيئ الى اسوأ وما يهم الحكومة الخروج من حالة عدم الاستقرار في كل نواحي الحياة وما يهمها عودة عجلة الانتاج للدوران من جديد لكن استمرار المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والاعتصامات كان يكبل حركة الحكومة .
وعلى مستوى قطاع الاخبار كان مايشغلني هو كيف نسترجع الحالة الايجابية في المجتمع على الأصعدة كافة ولم تكن هناك اي قوائم سوداء للضيوف بل فتحت القطاع لكل الاراء في اطلر من التوازن والتنويع ولم نكتفي بالتغطية الاخبارية فقط انما اتبعناها بعصف فكري حول حدث التغطية وكلما استرددنا ثقة المشاهد كلما نجحنا في اقناع المتلقي بالعودة الى الانتاج من جديد .
وقد يتصور البعض ان هذه الفترة كانت تمثل صعوبة في إتخاذ القرار ولكن امتلاك ادوات اتخاذ القرار والالتزام بالقيم المهنية التي تحقق التوازن الموضوعي قد ساعد بشكل كبير على الارتقاء فوق الاوضاع الصعبة في مصر ومحاولة البحث عن نظام اعلامي جديد .
في المرحلة التالية تم اعفاء د. سامي الشريف وتم تكليف اللواء طارق مهدي بالاشراف على الإعلام بعدما زادت المطالبات الفئوية في ماسبيرو وللحديث بقية .