الكثير من الأبعاد العنيفة والقاسية يأخذها تشويه القيم والمبادئ الليبرالية وتجريدها من المصداقية فى اللحظة المصرية الراهنة.
حين يصنف باسم الليبرالية فقط الحكم الدينى كخطر وجودى على مبادئ مواطنة الحقوق المتساوية ومدنية الدولة وحياد مؤسساتها وأجهزتها والتزامها سيادة القانون بينما يتجاهل خطر الحكم العسكرى ــ الأمنى ــ الاستخباراتى وما يرتبه دوما من انتهاكات للحقوق وللحريات وإماتة للسياسة وتهجير للمواطن من المجال العام مطرودا أو خائفا أو ملاحقا، فإن قيم ومبادئ الليبرالية فى صياغاتها العالمية وفى طباعاتها المصرية (التى تعود بداياتها إلى القرن التاسع عشر) تشوه بعنف وقسوة.
حين يروج باسم الليبرالية للحاكم الفرد «كبطل منقذ» ولمكارثية الرأى الواحد «كالصواب الوطنى الخالص» ولتأييد الأفعال والممارسات الرسمية كصنو «الحقيقة المطلقة» وللامتناع عن المطالبة بإخضاع الحكم لقواعد الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة «كتعبير نقى وعفوى» عن المشاركة الشعبية فى الحرب على الإرهاب وفى دحر مؤامرات متآمرى الداخل والخارج، فإن قيم ومبادئ الليبرالية فى صياغاتها العالمية وفى طباعاتها المصرية تشوه بعنف وقسوة.
حين يمرر باسم الليبرالية للمواطن وللمجتمع العصف بسيادة القانون وغياب مقومات العدل وضمانات العدالة الناجزة وتراكم المظالم والانتهاكات إما بالإنكار أو من خلال التجاهل أو عبر التبرير الصريح تأسيسا على «وضعية الضرورة الوطنية» وحالة «الاستثناء المرتبطة بالحرب على الإرهاب ومواجهة المؤامرات» و«مقتضيات الأمن القومى والأخطار الإقليمية والعالمية المحيطة بالوطن» أو بتوظيف منزوع المصداقية الأخلاقية والإنسانية للمعايير المزدوجة فى تناول المظالم والانتهاكات بحيث يدافع عنها عندما تسقط ضحاياها بعيدا عن دوائر الليبراليين ومساحات فعلهم وتدان إن دنت منهم، فإن قيم ومبادئ الليبرالية فى صياغاتها العالمية وفى طباعاتها المصرية تشوه بعنف وقسوة.
حين يتورط باسم الليبرالية فى هيستيريا نزع الإنسانية عن المتعاطفين مع اليمين الدينى (يصبحون جراثيم يتعين قتلها والتخلص منها) وفى صياغة مقولات العقاب الجماعى إزاء معارضى الحاكم الفرد الذى تؤيده مجموعات تصف ذاتها بالنخب الفكرية والثقافية والأكاديمية والإعلامية وتتشدق بالليبرالية وفى صك الخطاب المزدوج المعهود «إنجازات الحاكم وخيانة المعارضين» وإحياء بعض أكثر مضامينه رجعية بتزييف وعى الناس ومقايضتهم على الخبز والأمن نظير الحق والحرية، فإن قيم ومبادئ الليبرالية فى صياغاتها العالمية وفى طباعاتها المصرية تشوه بعنف وقسوة.
حين يختزل باسم الليبرالية المجال العام فى أصحاب الصوت المرتفع ويقتصر الحضور به على منتجى الضجيج الفاسد من مرضى لغة الجسد الذكورية ومروجى خطاب البطولة الزائفة بهدف إلهاء الجموع عن حقيقة «خدمتهم للسلطان» نظير الحماية والعوائد أو عن استتباعهم بمقابل معلوم سلفا من قبل ذوى الثروة والنفوذ والمصالح الكبرى، فإن قيم ومبادئ الليبرالية فى صياغاتها العالمية وفى طباعاتها المصرية تشوه بعنف وقسوة.