رغم صعوبه أسلوبه وكثره التفاصيل في كتاباته وشيخوخته حتي انه تجاوز الثمانين بقليل ورغم مرضه الشديد الذي اسلمه الي غيبوبه طويله اسلمته الي الموت إلا انني اعتبره وبحق سلطان العاشقين انه (جابرييل جارسيا ماركيز )الكولومبي الذي جاب كثيرا من بلاد العالم بلا مال يذكر جعله يضطر الي بيع الزجاجات الفارغه التي يجمعها من قمامه روما ليشتري بثمنها عظاما يصنع منها طعاما يقتات به.
رغم ان اهم رواياته المنشوره (مائه عام من العزله) تحتاج منك لخارطه طريق كي تتمكن من فهم علاقات شخوص الروايه والتي نال عنها اساسا وعن بقيه اعماله جائزه نوبل في الأدب سنه 1982 إلا انك لا تملك سوي تتبع باقي اعماله لو قرأت احداها . والشيء الغريب في روايات ماركيز انك يجب حتي تدركها ان تتابع الترجمه عند مترجم بعينه حتي تستطيع ان تفهم مابين سطورها وتغوص في اعماقها وقد حالفني الحظ ان قرأتها عن ترجمه المبدع الرائع السوري صالح علماني والذي رسخ عندي فكره ان المترجم هو المبدع الثاني بعد المؤلف الاصلي بل وفي بعض الاحيان قد يكون اكثر ابداعا من المؤلف في لغته الاصليه وقد تجلي ذلك مع علماني وذلك لثراء اللغه العربيه والتي امتلك علماني ناصيتها.
لم ادري عند بدايتي قراءتي (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز لأتعرف عن الفائز بنوبل عن الأدب انني سوف اقع في عشق هذا الرجل كعشقي ليوسف ادريس (امير القصه القصيره)ولا ادري حتي الان ماجعلني اربط بين ماركيز وادريس دائما في ذهني وقد اضيف كذلك اليهما انطون تشيكوف فالثلاثه يجمعهم التفاصيل الكثيره والتي قد تري في البدايه انها لاتلزم العمل وتكتشف في نهايه العمل الادبى ان غياب اي تفصيله منها قد تقلل من قيمه العمل واكتمال الابداع فيها اوان يجمع بين الثلاثه الافكار والرؤي الصادمه لبعض تفاصيل العلاقات الانسانيه ماكنت تتصور ان يجرؤ احد ان يصدمك بها مثل العلاقه بين معشوقه ماركيز وزوجها الطبيب في روايه (زمن الكوليرا ) اوالعلاقه بين الأم وزوجها وبناتها في (بيت من لحم)ليوسف ادريس او قد يصدمك احدهم في بعض المسلمات بها في الحياه مثل حقيقه اضرحه اولياء الله في(سره الباتع )عند ادريس وتقدير ماركيز للنظره الانسانيه لبائعات الهوي وبيوت الدعاره.
وبصفه عامه يجمع ماركيز وادريس في اسلوبهم الروائي المتعه والقوه ودقه الحس ورقه الذوق ويتميز الاثنان عندي بتعمقهم في الحياه ودقه تفاصيلها والتسجيل الصارم والصادم لما يحدث فيها.كذلك يتميز الاثنان بالتوجه الثائر علي الاوضاع السياسيه القائمه في بلديهما وفي محيطهم الاقليمي ايضا فقد انضم يوسف ادريس الي ثوار جبهه التحرير الجزائريه في حرب التحرير ضد فرنسا وكذلك انضم وعاش ماركيز فتره من حياته مع محرر كوبا وثوار امريكا اللاتينيه فيدل كاسترو ورفاقه ودائما وايضا كلاهما ادريس وماركيز كان صحفي وكلاهما كتبا للمسر والروايه والقصه القصيره وكافه فنون الادب والمقاله. وابدا فان الفنان دائما علي يسار اي مجتمع لأنه دائما مايثور علي الاوضاع السائده ويطمح دائما الي الكمال ويعيش دائما الصراع والمعاناه.
كان هم ماركيز ابدا ودائما وحتي وداعه للحياه العشق والعشاق فأصبح بحق سلطان العاشقين
(سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون انهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا دون ان يدروا انهم يشيخون اذا توقفوا عن العشق.) هكذا قال ماركيز في رساله الوداع