يصعب على أى عاقل التشكيك فى حالة التعاطف الشعبى العالمى ــ بغض النظر عن أصحاب الفطر المنتكسة فى المجر مثلا ــ الذى يرثى لحال البؤساء من لاجئى سوريا وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ومياه البحار بما اتسعت… هذه مشاعر فطرية تنبض بها القلوب الحية وإن تباين لون البشرة واختلفت لهجة اللسان… لكن نفس درجة الصعوبة يقاسيها نفس العاقل لو أراد تصديق حكومات الدول الأوروبية حينما تُظهر تعاطفا مشابها!
الضغط على (زر) تفعيل الضمير العالمى أصبح عملا يمارسه أقطاب النظام الدولى بصورة نمطية يمكن التنبؤ بها بصورة منطقية بعيدا عن نظريات المؤامرات الكونية وما يستتبعها من حلقات نقاشية عقيمة الجدوى أغلب متحاوريها يحكمون عاطفة وينحون عقلا… هو فى نهاية الأمر (زر) يُفعل وفق حسابات المصلحة شديدة التعقيد للدول صاحبة الحق المطلق فى ضغط (الزر) أو إبقائه على وضع المعطل.
صورٌ لأمخاخ أطفال سوريا مبعثرة فى طرقات ما عاد ينتصب فيها حجر على حجر، وصور أخرى لجثامين أطفال أيضا تجمدت من فرط البرد يحملها آباء علت وجوههم أعتى أمارات الفجيعة والضياع، كل هذا لم يكف فى السابق لتفعيل الزر!
أرجوك قبل أن تحلنى على نظريات المؤامرة إياها وعلى أننا لا نحفظ جميلا ولا ننظر إلا بعين الريبة لكل محسن متجرد، أُحيلك أنا إلى مئة صورة على أقل تقدير تُشبه صورة (إيلان) السورى الشهيد على عجزنا وموت قلوبنا… بل ألف صورة لو أردت، لكنها ليست سورية القسمات، لا ولا يمنية ولا عراقية… بل هناك فى الناحية الأخرى من هذا العالم… صور مسلمى الروهينجا الفارين من جحيم بورما، من تعتبرهم (الأمم المتحدة) نفسها الأكثر تعرضا للاضطهاد فى العالم، وتشير الأرقام الصادرة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن هناك ما لا يقل عن 25 ألف لاجئ من الروهينجا فى العام 2014، بينما زاد هذا العدد إلى أكثر من الضعف فى الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام الحالى… المصيبة أن هؤلاء تلفظهم كل دولة يبحرون إليها ليواجه أكثرهم مصيرا مشابها لمصير (إيلان)… دون أن يظفروا بنعمة الضغط على الزر!
الفائدة من سرد كهذا تتلخص فى تفهم نظرة هذه الدول ــ وأكرر وليست الشعوب فى معظمها ــ لقضية كهذه وإن غلفها الطابع الإنسانى…. ألمانيا (ميركل) التى ساعدت ومولت وشاركت فى أكبر كارثة حلت بعالمنا العربى يوم أسقطوا بغداد، تحتاج بشدة إلى الأيدى العاملة الرخيصة مرتفعة الجودة، علامة على استعداد لبذل الكثير من أجل تقنين أوضاعها، عمالة سترضى حتما بفتاتٍ يلقى لها… فليكن هذا وأكثر طالما كان هناك من يصدق!