منذ أن أعاد الرئيس المصري الراحل أنور السادات الحياة الى التعددية الحزبية في مصر عام 1976 من خلال ما سماه اولا المنابر ثم اطلق العنان لتشكيل الأحزاب مع وجود حزب رئيسي بمثابة عمود الخيمة للحياة السياسية وكان على التوالي حزب الوسط ثم مصر العربي الاشتراكي ثم الحزب الوطني الديموقراطي الذي استمر في عهد مبارك وانهار مع سقوط نظامه عام 2011 نقول منذ ذلك الوقت والحياة السياسية في مصر تعيش حالة مخاض استمرت قرابة ال 39 عاما .
ومازالت مصر تبني تجربة حزبية قائمة على التعددية الحقيقية حيث أن جميع الاحزاب التي بدأت على استحياء ثم اصبح عددها اليوم يتجاوز المائة مجرد أحزاب أفراد ولم تشهد احزابا جماهيرية بعد حل الإتحاد الاشتراكي العربي الذي كان التنظيم السياسي الوحيد في مصر ومرتبط بالحقبة الناصرية سوى ثلاثة أحزاب فقط هي الوفد والتجمع الوحدوي والعربي الناصري فكل منها تكون من خلفية جماهيرية ويستند الى اطار مرجعي فكري يفرقه عن الاحزاب الاخرى .
وتاريخيا يعتبر حزب الوفد هو الأقدم والأعرق منذ عام 1919 ويعتنق الفكر الليبرالي اما حزب التجمع هو فعلا يعد تجمعا لليسار المصري بكل فصائله ويجوز لنا القول إنه يعتنق الفكر الاشتراكي الأقرب للماركسية ثم الحزب العربي الناصري وهو يمثل تطويرا لأندية الفكر الناصري في الجامعات المصرية التي تكونت في سبيعنات القرن الماضي ويعتنق أفكار عبد الناصر بإعتبارها نموذجا للحياة السياسية المصرية .
عدا ذلك لايمكن النظر إليها على انها أحزاب حقيقية لانها كانت أقرب للديكور أو تجميل الصورة منها الى التنظيم السياسي ولم يكن هناك رؤية لاي منها للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل واضح باستثناء الاحزاب الثلاثة المشار اليها يل يمكن القول ان كثيرا منها ليس له برنامج واضح يختلف عن غيره من البرامج .
وقامت احزاب تعتمد على المرجعية الدينية ولم تعرفها الحياة السياسية بشكل فاعل الا بعد العام 2011 مثل حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان وحزب النور السلفي وهناك احزاب اخرى أقل أهمية لعبت أدوارا هامشية من خلال استغلال الدين من اجل تحقيق اهداف سياسية منتهزة سمة مهمة في الطابع القومي المصري وهو حب التدين ولكن سرعان ما انكشفت هذه الاحزاب امام الراي العام خاصة بعد انهيار حكم الاخوان المسلمين لمصر في عام 2013 ولم يتبق منها غير حزب النور الذي قرر خوض الانتخابات القادمة !!
وخلال ثلاثين عاما حتى 2011 كنا امام حزب مسنود من السلطة وهو الحزب الوطني والأحزاب الثلاثة التي ربما علقت عليها الأمال في إدارة الحياة السياسية المصرية بعد انهيار الحزب الوطني بعد قيام ثورة 25 يناير وهي أحزاب الوفد والناصري والتجمع .
ونلاحظ انه عندما قامت ثورة الثلاثين من يونيه لم يكن هناك سوى الظهير الشعبي فيما اتسم موقف معظم الأحزاب الموجوده على الساحة السياسية بعدم الحسم باستثناء عدد قليل منها و كانت فيما يبدو تراقب تطورات الموقف عن كثب انتظارا لما ستسفر عنه هذه التطورات رغم أن كثيرا من الأعضاء المنتمين للأحزاب خاصة الشباب لم يتقيدوا بالموقف الرسمي لأحزابهم وانضموا الى الجماهير .
وبعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي كان من المفترض ان تشكل الأحزاب الجماهيرية الثلاثة جبهة موحدة وراء الرئيس ونسيان خلافاتها التاريخية وهكذا اصبح الرئيس يعتمد على الظهير الجماهيري ولم يكن له ظهيرا سياسيا بمعنى وجود حزب سياسي يسانده خطوة بخطوة الأمر الذي وضح للرأي العام ان الرئيس السيسي يخوض معاركه وحده او هكذا كان التصوير الإعلامي للمشهد السياسي والذي يتمثل في معركة ضد الإرهاب واخرى ضد الفساد وثالثة ضد التخلف وعوامل التخاذل .
ولم تقدم الأحزاب مثلا برامج واضحة لمكافحة الإرهاب وكيفية إقتلاع الفساد وخططا للتنمية المجتمعية ودفع عجلة الإنتاج الى الامام حتى مشروع تنمية محور قناة السويس كان بقرار من الرئيس وقامت القوات المسلحة بتنفيذه .
وكنت أتصور أن الأحزاب المصرية ستسارع الى تقديم خبراتها لكيفية الاستفادة من مشروع تطوير قناة السويس وفتح مجالات جديدة للعمل والتنمية الشاملة بما ينقل مصر الى مرحلة اخرى تخرجها من عنق الزجاجة التي قبعت فيها بعد ثورة 25 يناير 2011 ولكن بدلا من التوحد حلت خلافات داخل الاحزاب حتى الرئيسية منها ومن بينها حزب الوفد أما حزب التجمع قد أصابته أمراض الشيخوخة رغم ان اليساريين اكثر حركة ونشاطا ويبقى الحزب الناصري وهو بالمناسبة لا ينضم تحت لوائه كل الناصريين فهناك ناصريون في التجمع الوحدوي وبعضهم كون احزابا اخرى فحدث ما بمكن تسميته تشرذما وتحول الناصريون الى فصائل كل منها يبحث عن شيئ يعنيه على عكس فكرة الاندماج والوحدة السياسية التي كان ينادي بها جمال عبد الناصر !! خلاصة القول يعد مجلس النواب القادم من اخطر المجالس التشريعية التي عرفتها مصر منذ مجلس شورى القوانين اول برلمان مصري عام 1866 في عهد الخديوي اسماعيل لانه سيحدد مستقبل مصر لسنوات قادمة وتصبح الانتخابات البرلمانية مرهونة بقدرة الاحزاب على ضبط إيقاع الحياة السياسية وهو أمر قابل للنقاش !!