ان التغيير في الهيكل البنياني للاستثمارالذى كان يجب ان يحدث منذ انعقاد المؤتمرالاقتصادى فى مارس الماضى و قانون الاستثمار الجديد , لابد وأنهما لم يؤثرا بالقدر الكافى في الحجم الكلي للاستثمار المباشر وغير المباشر( المحلى والأجنبي أيضا) .
وذلك نظراً لاختلاف مدى “دائرية الانتاج” في فروع الأنشطة الاقتصادية المختلفة والاستثمارات الجديدة التى نتجت عن التغير في هيكل البنيان الاقتصادي القائم , وهو ما يجب ان تتوقعه الحكومة الجديدة , وتحسب حسابها عليه في خططها المرحلية و القادمة, حتى لا تواجه صدمات فنية او ادارية في المستقبل عند التطبيق , تعوق عجلة التنمية في المستقبل. فسياسة حكومة المهندس اسماعيل الاقتصادية يجب ان تكون استباقية لا دفاعية من الان فصاعد. فيجب على الحكومة توجيه واستخدام جزء من الانفاق العام للدولة في رفع انتاجية العامل والعمل ، ومثل ذلك الانفاق على التدريب والتعليم المهني وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة وعلى علاج العمال ورفع درجة رفاهيتهم البدنية والذهنية والمعنوية من خلال أساليب التدريب والتعليم ذات المقاييس العالمية , وذلك لرفع القدرة الانتاجية والتنافسية للعامل المصري .ويجب على الحكومة ان توجه جزء أخر من النفقات العامة الى زيادة المقدرة الانتاجية للاقتصاد القومي مما يؤدي الى خفض تكاليف الانتاج ( ويعطي مصر ميزة نسبية بين الأسواق المنافسة من حولنا ) ، وبالتالي يؤدي هذا الى رفع الكفاية الحدية لرأس المال العامل ويخفض تدريجياً أسعار الفائدة على الاقراض ، مما يحفز على زيادة الاستثمارات في الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ( حيث لا أتصور أن سعر الاقراض يفوق الـ10% في مصر ومن حولنا دول تقرض في حدود من 3% الى 6% – والمبرر التقليدي عندنا هو أننا نحاول أن نمنع ظاهرة “الدولاري” .
الا إن مثل هذه الظاهرة حسب تقديري , سوف تختفي تدريجيا من خلال آليات السوق ( وبتدخل اداري من قبل البنك المركزي المصري في حدود ضيقة تحت سياسة رقابية تدير توازن سعر الصرف وتمنع المضاربة على العملات في السوق الموازية ) واذا ارتفعه معدلات الانتاج والتصدير المصرية في المستقبل القريب . وهذا أمر طبيعي ومنطقي ، مثلما حدث فيما بين عام 2005 وعام 2010، حيث استقر سعر الصرف وزاد الاحتياطي النقدي الأجنبي. غير أن الخمس سنوات الماضية والتي كانت تعاني فيها مصر من ظروف استثنائية , حدث هذا التدهور في سعر الجنيه المصري والاضطراب في تعاملات سوق النقد الأجنبي, وهو الأمر الذى لا يجب أن يقاس عليه كقاعدة عند وضع السياسات النقدية المستقبلية, بل هو أمر شاذ تمخض عن ظروف المرحلة , وسوف يزول بانتهائها, واتصور ان ادارة البنك المركزي المصري تؤدى عملا جيدا في هذا المضمار في ظل تدنى مستوى الاحتياطي النقدي مرحليا, ولا يجب ان تتضارب تصريحات الحكومة و الوزارات المختلفة مع السياسات المعلنة للبنك المركزى و استقلاليتة التامة عن الحكومة فى قراراتة الفنية , بعد التنسيق مع كافة الموسسات النقدية و المالية فى الدولة , حتى نتجنب صدمات سوق النقد و سوق المال, كما حدث مع الحكومة السابقة.
ويمكن القول أيضاَ أن زيادة النفقات العامة وزيادة الضرائب ( خاصة الضرائب غير المباشرة ) ، حتماً سوف تؤدي الى ارتفاع الأثمان لفترة حتى يرتفع الناتج القومي الى معدلات تزيد عن 5% (و يحدث تضخم في الأسعار مرحلي ولا يجب أن يقلقنا) ، إلا أنها و على الجانب الإيجابي تؤدي أيضاً الى ارتفاع في الكفاية الحدية لرأس المال العامل ، وهو ما يعني ارتفاع معدلات الميل الحدي للاستثمار المحلي والأجنبي. ويتضح لنا الآن من مما سبق , الدور المحوري المطلوب من حكومة شريف والقطاع الخاص في رفع درجة مرونة كفاءة الجهاز الإنتاجي للاقتصاد المصري , إن أحسن تطبيقهما من الجانبين , وهو ما يؤدى الى تحقيق معدلات استثمار و نمو مرتفعة حسب الظروف الاقتصادية, ويؤدى كما أوضحت الى تخفيض البطالة والتضخم تدريجيا , فى اسرع وقت , حتى قبل انتخابات البرلمان.
وعليه ننبه هنا لأهمية الأثر المزدوج لتلك الأدوات المالية و النقدية ودور الحكومة الجديدة والقطاع الخاص ، عند التطبيق ، على وجه الخصوص في حالات الأزمات حينما تكون التوقعات الاقتصادية المستقبلية غير منظورة، وتكون الكفاية الحدية لرأس المال منخفضة نسبياً ، كالحالة المصرية بعد الان. لذا أرى أنه يجب على الوزراء الجدد القائمين على السياسة الاقتصادية في الفترة القادمة وضع خريطة الاستثمارية اوضح و ذات بعد سياسى و اجتماعى كما اشار السيد الرئيس فى خطاب تكليفة للمهندس شريف اسماعيل ،والأخذ في الاعتبار لتلك الاثار المترتبة على سياسة إعادة توزيع الدخل القومي للحفاظ على وضع النمو الاجتماعى و الاقتصادى و عدم ارجاح طرف على حساب طرف اخر ، ومراعاة الضوابط الحاكمة لدفع عجلة التنمية والاستثمارات الجديدة , والعلم بأن مصر كسوق لها ظروفها الخاصة جداً بعد الثورة ، وبالنسبة للتوقعات المستقبلية ، الرؤية يجب أن تكون أكثر وضوحاً عن الماضي للعالم أجمع والسياسات الاقتصادية يجب أن تكون أكثر ثباتا واستقرارا ، لذا يجب أخذ كل هذه المحددات في تشكيل هيكل البنيان الاقتصادي في الفترة القادمة.
وإن كنا نريد زيادة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ( المحلية والأجنبية) وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة تفوق الـ 5% يجب أن نتعلم من تجارب الدول التي سبقتنا ، ونتذكر أن كل ما قد يصلح هناك قد لا يصلح هنا وكل ما قد فشل هناك قد ينجح هنا ، ونأخذ من تلك الدول المتقدمة ما يفيدنا ونلفظ منها ما لا يناسبنا.
إن الانجازات التى تحققت فى الفترة السابقة على يد وزارة المهندس محلب جعلت من مصر الى حد كبير أرض خصبة لأي مستثمر محلى أو أجنبي ، وسوق واعدة بمقاييس ومعايير علم الاقتصاد الحديث ، الا ان النجاح لا يتحقق بالنوايا الحسنة وحدها بل بالعلم والعمل الجاد. فتحصيل الكفاءة لا يأتي الا بالمجموع.