كانت الحرب على مر التاريخ الإنساني هدفا ، طمعا في الثراء ؛ و لأن الحرب كانت دائما و ستظل ابدا الآلة التي تدفع دولاب التقدم و الإزدهار ؛ فالحرب تحفذ البحث العلمي فيقدم مالا يخطر ببال من تكنولوجيا توظف في كافة الأغراض لاسيما السلمية و التي هي المصدر الرئيس للثروة في العصر الحديث ،، لذلك ستظل دائما و ابدا هدفا ، و لكن بعد ما خلفته الحربان العالميتان من دمار ؛ و خصوصا الثانية في بعض البلدان الاوروبية و الآسيوية مثل المانيا و اليابان ؛ فبعدا عن ويلات الحرب التي لا غنى للعالم الإنتهازي عنها ، ادرك هذا العالم الأنتهازي ضرورة ايجاد إطار جديد لإدارة الحرب ، و في اطار تطوير ادارة الحرب كان و لابد ان يبعدوا بمسرح الأحداث عن ساحتهم فلتكن الحرب خارج حدودهم ، و ليكن لهم العائد المادي و بأقل الخسائر ، و ليكن لغيرهم الموت و الدمار !! اذا فليدرسوا نقاط ضعف الشعوب ، و ليغذونها ، و هل هناك مثل التطرف الديني و الطائفية ضعفا ! و هم لا يزالان يشكلان ثقافة و فكر بعض شعوب العالم الثالث رغم ما انعم الله عليهم به من ثروات ، و لكن لم ينعم عليهم بعد ببعض الحكمة ، و لقد عاشت اوروبا هذا العصر و تخبره جيدا فقد قضت من تاريخها ما يقرب من قرنين من الزمان في حروبها الصليبية و ما فتئت تعاني من سلطان الكنيسة و محاكم التفتيش و حروب البروتيستانت مع الكاثوليك و ما مذبحة البروتستانت في الأذهان ببعيدة و حروب الكالفينيين و اللوثريين في المانيا في بداية القرن السابع عشر ، حتى علمنوا الدول .
اماالأميريكيون الذين ذاقوا مرارة الحرب الأهلية فقد افلتوا من الفتنة الدينية ؛ رغم انهم مزيج من طوائف بروتستانتية عدة ؛ و ذلك عن طريق تأسيس دولة علمانية و هي الأولى و فصلوا الدين عن الدولة .
دول اوروبا و الأمريكتان و استراليا المسيحيين كلهم تعلمنوا و لم يعد فيهم من دول دينية الا الڤاتيكان و تعدادها يقل عن ألف نسمة يقطنون في مساحة تقل عن نصف كم٢ ! و لا تقاتل احدا !
خَبِرَ العدو منطقة الشرق الاوسط ؛ و كانت تخطو خطىً سريعة نحو التقدم و المدنية و الحداثة و لم تصبها ويلات الحرب كغيرها ؛ فزرعوا فيها كيانين دينيين كارثيين اولهما بعد الحرب العالمية الأولى و هو الإخوان المسلمون و ثانيهما بعد الحرب العالمية الثانية و هو اسرائيل و لا يقل احدهما كارثية عن الآخر
و مع ظهور الثروة النفطية و وجود دولة اسرائيل اليهودية الصهيونية المتطرفة اصبحت المنطقة محور الأهتمام و في وجود الدولة الوهابية السنية و الدولة الإيرانية الشيعية و جذور صراع تاريخي سهل تأجيجه و تم كذلك استغلال وجود طوائف مسيحية في كثير من الأحيان و نجحوا بالفعل في لبنان ، تشربت المنطقة الفتنة و لم تنته و لن تنته فيها الحروب التي تاججت بسبب الفتن الدينية و بإضافة افغانستان اصبحنا جديرين بإسم ” منطقة الإرهاب العالمي “
و الرابح دائما الحلفاء ” إسرائيل أمريكا اوروبا ” نحن نقتتل بأموالنا و ارواحنا و مدننا و ديننا و هم يجمعون الغنائم لا يتكلفون شيئا
و بالإمكان إضافة باكستان الى القائمة بإعتداءاتها و تفجيراتها الداخلية المستمرة و سهل جدا ادراك الفرق بينها و بين توأمها الملتصق الهند و لست في حاجة لذكر الأسباب ! و يبدو ان اردوغان يأبى الا ان يضم تركيا لقائمة الدول المتحاربة .
ما اردت ان اقول انتهت الدول الدينية من العالم و انتهت الحروب على ارض تلك الدول اما الدول الدينية الفعلية مثل اسرائيل و ايران و السعودية فهم مفرخة الإرهاب و سبب الحروب بأيديهم و بأيدي الغير و لايزال البعض يشكك ان علمانية الدول ليست الحل المنطقي لتجنب ويلات الإرهاب ؛ علمانية بمعنى جعل الدين شأن شخصي لا علاقة له بالسياسة و القانون و لا اقصد الغاء الدين من حياتنا الخاصة فأقسم بالله اني لا انوي ترك صلاتي و لا صيامي و لا زكاتي و لا انوي ان اغضب ربي و لا ان اترك ديني ابدا ! و لكن حين اقلب وجهي ذات اليمين و ذات الشمال لا اجد الا هذا حلا ! و الا سنظل في صراعاتنا الى ابد الآبدين و لن تقم لنا قائمة .
و لا ارى تعارضا على الإطلاق بين ان تكون الدول علمانية بينما الأشخاص الذين يعيشون تحت سمائها متدينين فتركيا مثلا علمانية و لم يمنع هذا اردوغان من ان يكون متدينا ، و انما العكس من الدولة العلمانية هي الدولة الدينية ، و اذا كان في الدولة العلمانية يتولى الحكم و كل وظائف الدولة شخصيات تخضع لمعيار الكفاءة و التخصص و الخبرة العلمية و العملية لضمان الإجادة ففي الدولة الدينية يكون الحكم لرجال الدين بصرف النظر عن اي شئ آخر بما في ذلك الكفاءة العملية ، و بما انه لا رجال دين في الإسلام فالحكم الديني في الدول الإسلامية يُتَصور ان يكون للأكثر تدينا او الأكثر دراية بعلوم الدين او الاحرى بنا ان نقول من يظن فيهم الناس انهم الأكثر تدينا او الأكثر دراية بعلوم الدين او هم يقدمون انفسهم على انهم كذلك ، و لكن على اية حال ليس شرطا فيهم ان يكونوا الأكثر علما بشئون الدنيا و الحكم اذ ليست الكفاءة في اي مجالات الحياة شرطا لعملهم هذا و انما ” التدين او لنقل المعرفة بعلوم الدين و بما ان ادارة وطن هي وظيفة دنيوية ” فتوظيف الأكثر تدينا او إظهارا لذلك على الأكثر كفاءة يخالف حديث النبي ” انتم اعلم بشؤون دنياكم ” و هو يحدث عن نفسه ذاتها قال انتم و لم يقل انا اعلم بشؤون دنياكم و هو ( عليه افضل الصلوات ) من هو ، و قال تعالى ” و امرهم شورى بينهم ” و الشورى تعني الرأي و الإجتهاد و قد قال هذا ( سبحانه و تعالى ) محدثا المسلمين و الصحابة و فيهم رسول الله المصطفى المختار .
و اول ما يتبادر لذهني و نحن نقول دولة اسلامية و الدولة اساسا كيان اعتباري لا تصلي و لا تصوم بينما الإنسان هو من يفعل ، فهو الذي يصوم و يصلي ، و كأن الدولة تفرض دينا على مواطنيها و هذا لن يحدث ف” لا اكراه في الدين ” ، و الدولة تعترف بالديانات الأخرى و تقرها جميعا و قد اقرها النبي نفسه بل و الله تعالى ، و لن تحكم لغير المسلمين بغير شريعتهم و هذا حقهم و اقره رسولنا و امرنا بإحترام شعائرهم و دور عباداتهم فهو امر من الله في كتابه العزيز و لن يمنعهم عنها و عن شعائرهم من احد ، و لهم مناسكهم و صلواتهم و صيامهم و حجهم و زواجهم و محظوراتهم وطعامهم و هم احرار و لا دخل لنا في كل هذا و لخصوصياتهم و لهم كل الإحترام و التقدير .
فمصر مثلا يعيش تحت سمائها اكثر من دين و حرية العقيدة مكفولة لا مساس و كل يتبع دينه فيما يخصه ؛ و لن يترتب على تحديد دين الدولة تدخل في اي مما سبق بأمر من الله ؟ هل يترتب على هذا المصطلح ؛ اقصد دولة اسلامية ؛ من شئ ؟ الحقيقة لا يبلغني هذا المعنى و اذا كان المقصود تطبيق الحدود فهذا موضوع قتل بحثا و اثبت مما لا يدع مجالا للشك ان ما نطبق هي بدائل موجودة في الدين بالفعل و للحاكم ان يفرض ما يرى فيه صالح المجتمع و صلاحه ، و بعد كل ما افردت ارى ان ما اقر ديننا يطابق تماما ما يراد بعلمانية الدول ، و رغم المادة الثانية من الدستور المصري ففي نظري مصر فعلا دولة علمانية لان الحكم فيها للأكفأ و الا لكان لشيخ الأزهر ، و ايضا لان الحكم في مصر ينطبق عليه بالفعل كل ما ذكرت آنفا من مبادئ تدل على علمانية الدولة و مع ذلك مازال المصريون المسلمون متدينين و المصريون المسيحيون ايضا متدينين و لكن الدولة تتعامل معهم على اساس علماني بحت و هو ” المواطنة ” فالقانون لا يفرق بينهم في الحقوق و الواجبات و لكن بينهم متطرفين يبذلون كل مساعيهم كي يفسدون الود و لم و لن يتمكنوا من هذا الشعب المتحضر ابدا ..