أخبار عاجلة

د. سمير عباس يكتب… “جنون الدولار.. الى أين..؟!!”

يواصل الدولار قفزاته المرعبة فى السوق المصرى ويبدو انه لن يتوقف قريبا عن مواصلة رجلته المجنونة نحو الصعود فى مواجهة كائن ضعيف لا حول له ولاقوة اسمه الجنيه المصرى الذى يواصل رحلته الى القاع كلما ارتفع غريمه درجة الى اعلى . هذا الواقع المحزن للجنيه المصرى المتهاوى يدق نواقيس خطر ويشعل أضواء حمراء امام المصريين حكومة وشعبا ..موالاة ومعارضة  لان هذا الامر هو قضية حياة ومال وعمل وتصدير  واستيرا د وجميعها تمثل عصب حياة اى أمة فى هذا العصر…
فما هى قصة الدولار فى السوق المصرى…؟؟؟  
والى متى يظل يتصاعد فى قيمته وقوته امام العملة الوطنية…بما يعنى انخفاض قيمة هذه العملة بذات قيمة صعود الدولار فى مواجهتها…؟؟؟؟
  وماهى اسباب ذلك   ثم ماهى نتائجه  ؟؟؟
الاجابة عن هذه التساؤلات تقتضى كتاب نعده على مهل ، وان كانت الكثير من عناصر الاجابة قد وردت فى كتاب سابق من تأليفنا عنوانه …السقوط من التاريخ…مبارك وعصره بين الاقتصاد والسياسة,,,,ولكننا سنحاول اختصار الاجابة قدر ما نستطيع  فى محاولة للبحث عن تفسير للظاهرة والبحث عن حلول للمشكلة .
مشكلة الدولار فى السوق المصرى ومعه بالطبع كافة العملات الاجنبية تنبع أساسا من نقطة محورية هى أننا شعب يستهلك أكثر مما ينتج. بالضبط هذه هى المشكلة التى يجب ان نواجهها بصراحة وبدون مواربة . تأكيدا لهذه الحقيقة تقول أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء اننا فى العام المالى 2013 – 2014 بلغت فاتورة وارداتنا  456 مليار جنيه ، منها 393 مليار واردات سلع استهلاكية وسلع وسيطة وسيارات ومكونات سيارات وأدوية  وكماليات وغيرها،  وباقى المبلغ تم استخدامه فى استيراد منتجات بترولية. 
هذا فى حين ان صادراتنا لم تتعد قيمتها 151 مليار جنيه وجميعها تقريبا أما انها للاسف مواد خام معدنية، او بعض المنسوجات والمنتجات الزراعية . اذن الفجوة بين قيمة ما نستورده وقيمة ما نصدره تبلغ  305 مليارات جنيه ( زيادة فى فاتورة الواردات) 
لو قمنا بتحويل هذا المبلغ ( العجز ) الى دولار وفقا لسعر الصرف المعلن وهو حوالى 8 جنيهات  سنكتشف أن الدولة فى حاجة الى تدبير مبلغ 38 مليار دولار لتمويل هذه الفجوة بين الصادرات الواردات. المحزن أكثر فى هذا السياق هو أن أحدث تقارير جهاز الرقابة على الصادرات والواردات جاء فيه أن فاتورة الواردات خلال الشهور الثلاثة الاولى من عام 2015 بلغت قيمتها 12 مليار دولار ، معنى هذا أنه ، واذا استمرت وتيرة الاستيراد بالمعدل ذاته بقية العام فان فاتورة الواردات ستبلغ  48 مليار دولار أى بزيادة عشرة مليارات دولار عن العام السابق. هذا سفه بكل المقاييس ، او لنقل مصيبة اقتصادية يجب التنبه لها  والبدء جديا فى البحث عن حلول لها سواء بتقليل الاستيراد أو زيادة التصدير ، وان كان الحل يقتضى الاثنين معا. 
هذا الواقع غير المتوازن وغير المقبول  ليس وليد اليوم أو الامس القريب ، ولكنه حالة مزمنة فى الاقتصاد الوطنى  بدأت منذ اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادى عام 1974 وراحت تتزايد حدتها ، وتتضاعف قيمتها مع مرور السنين لتبلغ الذروة خلال الاعوام الاخيرة من حكم نظام الرئيس مبارك ثم تضاعفت بسرعة الصاروخ على مدى سنوات الثورة العجاف منذ عام 2011  ليرتفع الدين السيادى الخارجى على مصر من 34 مليار دولار الى اكثر من 50 مليار  دولار بزيادة اكثر من 16 مليار دولار، وليصل للاسف الى ذات القيمة التى كان عليها عام 1990 قبل أن ينعم علينا القدر ببحبوحة كبرى سنتحدث عنها فى مقال لاحق، أدت بمديونيتنا الخارجية الى الانخفاض لاقل من 19 مليار دولار.  
ومما يدعو الى الاسف أنه ما من أحد حاول التعامل الجاد مع المشكلة على مدى سنوات نظام مبارك الذى لم يتعلم من درس الثمانينات والتسعينات، بل أضاع الفاسدون كل الفرص  التى أتيحت. 
هذا التراكم التاريخى للمشكلة الاقتصادية جعل النظام الحالى رغم صدق توجهاته لايجاد حلول لمشكلات الوطن ،لا يستطيع حتى الان كبح جماح هذا التصاعد المستمر فى الفاتورة ، ويستدل على ذلك من حقيقة انه بالمقارنة مع عام 2012 يتضح ان الصادرات المصرية للتجمعات الدولية تراجعت قيمتها بنسبة 5و3% ،  اما الصادرات كرقم مطلق فقد ارتفعت بنسبة 2و3% فى حين ارتفعت فاتورة الواردات بنسبة 1و8 %. واحقاقا للحق لا يمكن تحميل النظام الحالى مسئولية ذلك لان الخلل الهيكلى فى بنية وآداء  الاقتصاد المصرى أكثر شمولا وعمقا من مجرد محاولة علاجه خلال عام او عامين  بعد أكثر من أربعين عاما من الفشل فى ادارة الاقتصاد او تحفيز معادلة الانتاج الاستهلاك على صعيد الاقتصاد الكلى وباستخدام اليات المالية العامة التى اهدرها الفاسدون واضاعها النظام الفاشل الذى استمر طويلا اكثر مما ينبغى….
تضاعفت حدة مشكلة الاختلال المنوه عنه فيما سبق لعدة أسباب أهمها ضمور او تقريبا جفاف مصادر دخول الدولار ومعه بقىة العملات الاجنبية الى الاقتصاد المصرى  باستثناء مصدر سيادى واحد هو قناة السويس التى لا يتعدى مدخول مصر السنوى منها ال6 مليارات دولار. بخلاف ذلك تراجعت السياحة أو انعدمت ، تراجع الاستثمار الاجنبى المباشر أو انعدم ، وعلى الجانب الاخر استمر التزايد فى عدد المواليد وتصاعدت الحاجة الى زيادة واردات الطعام الذى للاسف تستورد مصر منه ما نسبته 60% من احتياجاتها، بالاضافة الى الانواع الاخرى من الواردات ، وهذا فى الوقت الذى تراجعت فيه انتاجية الاقتصاد الوطنى بفعل طبيعة الاداء المتراخى اصلا واغلاق اكثر من 1000 مصنع وتوقفها عن الانتاج الذى كان رغم تواضع جودته يسد ابوابا للاستهلاك توفر ولو قدرا متواضعا من الانفاق بالدولار على الواردات.
وللبحث عن حلول للمشكلة قد يستدعى الامر تناول نقطتين هامتين ، الاولى كيف تعامل نظام حسنى مبارك ورجاله مع هذه المشكلة ، وكيف كان الفساد هو حصان طروادة الذى أضاع على مصر واحدة من أعظم الفرص التاريخية التى لن تتكرر. ..؟؟؟؟؟
ثم ، هل من مقترحات تضيف الى الجهود المبذولة من جانب المسئولين للتعامل مع هذه القضية …؟؟؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *