قد يتصور البعض ان زيارات السيد رئيس الجمهورية للدول العربية فى الفترة الاخيرة الغرض منها هو توحيد الصف من اجل دعم مصر اقتصاديا او تحقيق مكاسب مؤقتة لحل المشكلات المصرية المتتكررة . و الحق اننا يمكن نجد حل المشكل المصرية وغيرها من الدول العربية ( غير المنتجة للنفط) من خلال موقف موحد من الدول العربية المصدرة للنفط ، ذات الفوائض النقدية ، وذلك عن طريق معالجة بعض النظام النقدي لتلك الدول مع احترام كافة الاتفاقيات و المواثيق الدولية ، ولكن بما يتناسب مع المصالح العربية المشتركة.
وتأتي هذه المعالجة من خلال بعض الاصلاحات في نظمها النقدية (أقصد دول النفط العربي) ، وهي في هذا المجال على ما يلي؛1- يجب ان يكون للدول المصدرة للنفط ذات الفائض وضع خاص في بنيانها الاقتصادي ، ومع طبيعة الاحتياجات المتكونة من عوائد البترول ، وذلك أن هذه الاحتياجات ، وهي من مادة قابلة للنفاد ، تشكل تسييلاً للإرث القومي (أي الثروة القومية) ، وتسييلاً لرأس مالها البترولي ، ولذلك فلا تعتبر دخولاً تراكمية تعامل اقتصادياً معاملة الاحيتاطيات العادية. 2- يجب أن تكون الدول العربية المصدرة للنفط ذات الفوائض (سابقة الذكر) موضوعاَ للاختبار بمعايير تتفق مع بنيانها الاقتصادي الهيكلي ، وهو ما يستلزم إذا عدم اخضاعها للمؤشرات الموضوعية الاقتصادية (الكلية أو حتى الجزئية) التي تخضع لها الدول الصناعية الكبرى من حيث حالات عدم التوازن في موازين المدفوعات التي تتطلب التدخل لإجراء التصحيح ، والتي تقتضي عنه عدم اجرائه توقيع العقوبات الاقتصادية عليها مثل حالات الاغراق ( مثلما حدث من الدول الصناعية الكبرى بقيادة امريكا مع مع الصين ). 3- ويجب أيضاً استثناء دول النفط العربية من حصص صناديق الاستثمار ، وحصص صناديق التنمية الدولية , ومن حساب الاحيتاطيات الأجنبية , وتوجيهها للاستثمار فى صنديق عربية ، وبالتالي يجب أن تستثني ايضاً من تطبيق نظام وصاية الدولة الكبرى (كأمريكا ودول المجموعة الاوربية ) على الأرصدة الخارجية (كما كان الحال مع العراق وليبيا -أوقات الحرب). 4- وأخيراً هنا لما كانت تلك الدول العربية المصدرة للنفط ، في حاجة إلى إقامة التكامل الاقتصادي العربى (شاءت أو لم تشأ ) كوسيلة لا بديل عنها للتنمية الشاملة لها ولكل الدول العربية الأخرى (حال نفاد منابع النفط – إن أجلاً أو عاجلاً) فإنه يكون من الضروري (من الآن) كسياسة عربية موحدة عند تحديد الاحتياجات التي تفرض عليها الوصاية الدولية أن تدخل في حساباتها مقتضيات احتياجات , كل البلاد العربية ( كوحدة واحدة ) لا مجموعة بعينها مثل الدول العربية النفطية فقط , من رؤوس الأموال (في شكل مشروعات مشتركة واستثمارات عربية توزع فى الإقليم – لا اقراض ومنح)، وعلى ذلك يجب أن يكون استيعاب احيتاطيات البلاد العربية المصدرة للبترول في نطاق المنطقة العربية , ففى ذلك خيرا لهم وضمان لحقوقهم اكثرمن لو تم استيعابها خارج النطاق العربى.
ومعنى ذلك أن تحدد ما يعتبر فائضاً يجب أن يتم في ضوء احتياجات مجموعة الدول المتكاملة لا في ضوء احيتاطيات واحتياجات الدولة أو الدول ذات الفائض فقط. , فما يعتبر فائضاً بالنسبة للدولة المصدرة ، مأخوذة بمفردها ، لا يعتبر كذلك في إطار مجموعة الدول التي يجب أن تتكامل معها تكاملاً اقليمياً (سواء كانت مصدرة للنفط أم لا , كما هو الحال في دول المجموعة الأوروبية وموقفها من الأزمة الاقتصادية في اليونان واسبانيا) وذلك لان المصلحة التى تتحقق فى احد الدول الاوربية, تعم على باقى دول المجموعة الاخرى من الناحية الاقتصادية و السياسي و الاجتماعية وحتى الامنية منها ايضا , ما ينطبق هناك ينطبق علينا نحن العرب.
وفي النهاية لا أريد أن يفهم أحد من مقصدي هذا ، هو أن تستفيد الدول غير النفطية (مثل مصر ولبنان وسوريا والأردن واليمن… الخ ) من فوائض تلك الدول المصدرة للنفط ( مثل السعودية و الكويت و الامارات …الخ ) فقط لصالحها. بل أن مثل هذا الاجراء يحقق التكامل الإقليمي ويحمي الاقتصاديات العربية من بطش واستغلال الدول الصناعية الكبرى (أمثال الدول الصناعية الكبرى ال ج 7 ) ويكسب البلاد العربية استقلالية نسبية اقتصادية وسياسية وتصبح تكتل يعمل له حساب في المجتمع الدولي ويكون له صوت يسمع في كافة القرارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المؤثرة دولياً وإقليمياً ، حتى دون الحاجة الى عمل سوق عربية مشتركة والتي فشل العرب في تحقيقها لأكثر من ستين عاماً. ولكن الغرض كل الغرض من تلك الزيارات هو ان نعيش كلنا فى بيوت عربية امنة.