أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. “الأمية الإعلامية في العالم العربي..!”

إن من أهم المقررات الدراسية فى كليات الإعلام بمصر وفى كثير من الجامعات العربية مقرر التربية الإعلامية أو «Media literacy»، ورغم ذلك لا أحد يستفيد منه أو يطبقه فى وسائل الإعلام المختلفة مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو إلكترونية، وبشكل خاص فى الإعلام المتلفز الذى يحتل المساحة الأكبر سواء فى مجتمع المتلقين أو المشتغلين بالإعلام، بل دعونا نقول إن غياب هذه الثقافة المهمة فى بناء فكر الإنسان بشكل تنويرى لدى المتلقى والمرسل فى عالمنا العربى بوجه عام سبب مباشر لتراجع تأثير الميديا الإيجابى وانحرافها إلى مسارات سلبية وفرعية، وتجعل من الإعلام أداة للهدم وليس أداة للبناء!!. 
وسوف نوضح ذلك فى السطور القادمة من خلال أن الإعلام وسيلة مشروعة للمعرفة، حيث من حق المتلقى أن يعرف ويعلم ويتفاعل مع الأحداث، لكن هناك مساحة رمادية بين النور والظلام بين المعرفة والجهل بين الحق والباطل، ويحاول البعض جر الإعلام إليها للخروج كما ذكرنا عن مساره الطبيعى فى محاولة لتجميل الواقع على أساس أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، أو دعونا نقول تسجيل حالة من (اللاموقف) ومحاولة وصفها بالحيادية!!.
وإذا كان هذا مقبولا فى ظل مجتمع لا يقبل التعددية، فإن الأمر لا يمكن أن يقبل فى ظل التباينات السياسية والاجتماعية بالمجتمع وفى ظل التنافس بين الفضائيات وفى إطار ما يسمى عولمة الإعلام. 
ومن ثم، لا مكان لكلمة التعتيم فى الرسالة الإعلامية، وإذا كان القصد بالتعتيم عدم إلقاء الضوء على حدث وما قد يكشف فساد شخص أو مؤسسة، فإنى أقول إن مثل هذا الفعل يعتبر جريمة فى حق جماهير المتلقين وحق المجتمع، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. 
وما لا شك فيه أن الإعلام خاصة المرئى والمقروء يؤدى دورا مهما لمساندة الحق بغض النظر عمن هم أصحاب هذا الحق، وفى السياق نفسه فى ظل تعدد مصادر الأخبار، ووجود مصادر غير موثوق منها، ومن الأهمية بمكان التريث وتدقيق الخبر وإعمال قاعدة فى مدرسة الـ«BBC» (من الأفضل أن أكون الثانى وأقدم خبرا صحيحا على أن أكون الأول وأقدم خبرا كاذبا)، وقد تعلمنا أيضا أنه من الأفضل عدم إذاعة الخبر الذى تجلب إذاعته المشكلات، أو بعبارة أخرى المشكلات المترتبة على عدم إذاعة خبر غير موثوق منه أقل من المشكلات المترتبة على إذاعته دون تدقيق. 
وهنا تأتى مهمة المحرر المسئول، ويقاس نجاحه بقدرته على التمييز والاختيار بين مئات القصص الإخبارية يوميا، ويقوم بترتيبها حسب سلم أولوية خضوع الخبر للمعايير المهنية، وهى أن يكون الخبر جديدا وغير عادى ومثيرا وضخما ويهم المتلقى. 
بعد ذلك يلتزم المحرر بقاعدة أو قيمة المحاسبة بسؤال نفسه هل الحدث الذى يخضع للمعايير الإخبارية يفيد بأن يقدم قدرا واضحا من المعرفة والحقائق ويصبح من الصعب تجنب هذا الحدث أو التعتيم عليه؟ 
من هنا يمكن القول إن المكاشفة وتقديم الحقائق للمتلقى تساعد متخذ القرار على التعامل مع الواقع ودراسة خيارات مطروحة من الجانب الإعلامى، لكن ليس معنى هذا أن كشف مشكلة أو بؤرة فساد أننا وصلنا لآخر المطاف، بل العكس إن مثل هذا العمل يساعد المسئول على تصحيح مساره طالما أنه ليس طرفا فى هذه المشكلة أو متورطا فى ذلك الفساد!!. 
وفى الوقت نفسه يجب ألا يستخدم الإعلام لتصفية الحسابات بين الأشخاص، فقد أصبح المتلقى من الذكاء بحيث أضحى فى إمكانه التمييز بين المدافع عن الحقيقة والمدافع عن المواقف الشخصية، ونجد الأول لا يخاف فى قول الحق لومة لائم، بينما الثانى له مصالحه وأهدافه الخاصة، وعليه فقد أصبحت لدى المتلقى قدرة على التمييز بين من يستخدم الوسيلة الإعلامية للهدم والآخر الذى يستخدمها للبناء. 
ولا بد أن نشير إلى أن محتوى البرامج فى القنوات التليفزيونية والشبكات الإذاعية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر من القائمين عليها، فهناك من يتعامل فقط مع النصف الفارغ من الكوب، ويصر على النظر إلى الواقع من خلال منظار أسود، وفى اعتقادى أن هناك الكثير من القصص والأحداث فى مجتمعنا الذى يدعونا إلى الفخر والالتفاف حول علم الوطن، ليكون عاملا محفزا على العمل والإنتاج، بعبارة أخرى إن التوازن يظل القاعدة الذهبية لإنقاذ الرسالة الإعلامية والانتقال بها إلى آفاق التنوير وهو بيت القصيد!!. 
وهكذا يمكن القول إن إعمال العقل فى مواجهة الخرافات والتمسك بالعلم فى مواجهة الجهل يحقق هدف الرسالة الإعلامية فى بناء المجتمع، وهذا ينطبق على كل عالمنا العربى- بدون استثناء- ومن هذه النقطة يتم التخلص من الأمية الإعلامية، وبالتالى نصبح أمام آفاق جديدة من التنوير الفكرى والارتقاء بالذوق العام والحفاظ على قيم المجتمع العربى، من أجل بناء شخصية الإنسان العربى الواعى لمصالحه والمدرك لحقوقه والقادر على الإنجاز فى معركة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإذا تحقق ذلك من الطبيعى أن تسود المجتمعات العربية ثقافة إعلامية تحافظ على الاستقرار وتضيف للإطار المرجعى للمتلقى جديدا كل يوم، وتجعل من تعرضه اليومى للمؤثرات الإعلامية أو ما يسمى «Media Exposure» له مردود سليم يصب فى إزالة حقيقية للأمية بكل أشكالها!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *