هناك إنقسام واضح بين المثقفين المصريين في النظر إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ويمكن القول إننا أمام وجهتي نظر كل منها تقدم أسبابها وتستند الى حقائق على الأرض ودلائل منطقية وعلية نعرض وجهتي نظر ونحاول الوصول الى تقييم موضوعي لهذا الحدث التاريخي الذي سواء شئنا أم أبينا هو نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث .
وجهة النظر الأولى تؤيد ثورة يناير وتعتبرها حتمية تاريخية لتطورات سلبية ألمت بالنظام السياسي المصري الذي تدهور إلى هوة سحيقة نتيجة سيطرة المال السياسي على مجريات الأمور وأصبح القرار خاضعا لرغبات حفنة من رجال الأعمال ولم يستطع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في سنواته الأخيرة إلا أن يستجب لهم وأضحى أمر توجيه الحزب الحاكم بيد هؤلاء اصحاب السلطة والمال ما أدى الى فتح الباب لتنامي ظواهر سلبية في المجتمع من بينها الفساد فضلا عن أكثر من ثلاثين عاما من تجريف وعي المواطن وإنهارت معه منظومة كاملة من قيم الحق والعدل الإجتماعي والكرامة الانسانية .
وسادت المجتمع ما يمكن وصفة بقيم العشوائيات الأمر الذي آدى الى انتشار قنابل موقوته ساهمت بشكل أو بآخر في تسريع سقوط النظام بعبارة آخرى يمكن القول إن ضعف الحكم وسيطرة المال السياسي وانتشار الفساد الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة الى تعاظم أصوات المعارضة في الشارع وعبر كثير من قنوات الإعلام الخاص ومن خلال العالم الإفتراضي لشبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) خاصة مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة ب ( السوشيال ميديا ) كل هذه كانت عوامل قادت الى نمو رغبة حقيقية لدى الشعب المصري للتغيير ومن ثم عندما جاء الخامس والعشرون من يناير تحولت الرغبة في التغيير الى عمل فاعل اتسم بالشمول وعبر عن إرادة جماهيرية وعليه كانت ثورة 25 يناير التي هي الأخرى نقطة تحل في تاريخ مصر الحديث سواء شئنا أم أبينا .
أما وجهة النظر الاخرى فإنها لا تعترف بما حدث على أنه ثورة حقيقية إنما كان مؤامرة مدبرة في الخارج وتم تنفيذها بأيدي عناصر في الداخل استهدفت اسقاط الدولة المصرية واستغلت معاناة الجماهير في تنفيذ مخططها وأكبر دليل على ذلك ما حدث بعد يوم 28 يناير من إنهيار المؤسسة الأمنية وتدخل القوات المسلحة لإنقاذ البلاد من هذه المؤامرة واستندت وجهة النظر هذه الى قيام المجلس العسكري بتسليم الحكم لجماعة الإخوان الذين سيطروا على المشهد السياسي ولكنهم استغلوا الموقف وحولوه لصالحهم كجماعة بصرف النظر عن مصالح الوطن وذلك بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية ثم وصول أول رئيس منهم الى سدة الحكم في 30 يونية 2012 .
ورغم أن الأخوان قد حصلوا على أندر فرصة ذهبية للحكم في تاريخهم الذي يمتد الى أكثر من ثلاثة وثمانين عاما إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا في إستغلالها وادخلوا مصر الى نفق مظلم نتيجة جهلهم بالعمل السياسي وسوء ادارتهم لأمور البلاد وتعاملهم معها بأساليب التخوين والعمل السري وتنظيمات تحت الأرض وقد لمست ذلك عن قرب خلال عملي رئيسا لقطاع الاخبار باتحاد الاذاعة والتليفزيون المصري في ( الفترة من 2011 – 2013 ) وقمت بتسجيل شهادتي عن هذه الفترة في كتاب لي صدر في يناير من العام الماضي وما يعنينا في هذا المقام ما قلته في الكتاب بإن الموقف الذي عاشته مصر في ظل حكم الاخوان آدى الى تصاعد حاد في حجم الاستقتطاب السياسي وهو ما مهد لقيام ثورة جديدة في الثلاثين من يونية عام 2013 ومن هنا يرى اصحاب رأي ان ثورة يناير مجرد مؤامرة ان ثورة يونية جاءت لكي تجهض
” مؤامرة 25 يناير ” على حد تعبيرهم .
ونلاحظ أن الرآي الأول المؤيد لثورة 25 يناير استند في تكوينه الى تحليله للوضع الذي آل اليه الحكم في مصر ورأى ان الحل كان في التغيير بإرادة الشعب بعبارة آخرى أقام موقفه على اسباب يناير ولم يعنيه ما نتج عنها من تبعات وربما لم يلتفت ايضا الى التغيرات الاقليمية التي كانت تسير في اتجاه واضح معادل لنفس إتجاه التغيير المطلوب فكانت ” ثورات الربيع العربي ” التي بدات في تونس بإسقاط حكم الرئيس زين العابدين بن على في ديسمبر 2010 ثم انتقلت شرارة الثورة الى مصر وهو تطور كان متسقا تماما مع ارادة الشعب المصري !!
ويرى الرأي الرافض لثورة يناير ويضم بين صفوفه بعض ممن يتعاطفون مع الرئيس حسني مبارك أن أحداث يناير أسقطت نظاما ولم تقم نظاما جديدا لأن هذا هو الهدف توجيه ضربة للدولة المصرية واستند انصار هذا الاتجاه الى نتائج يناير وليس أسبابها وفسر التطورات اللاحقة لعزل مبارك على أنها نتاج مؤامرة لاسيما على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني ولكنه لم يعطينا رأيا بخصوص ان هذه الاوضاع الصعبه لم تات من فراغ انما هي تراكم سنين طويلة من حكم شابه الكثير من المفاسد خاصة في سنواته العشر الاخيرة وبعض الذين يؤيدون نظرية المؤامرة يرجعون موقفهم أيضا الى أن جماعة الإخوان لا تعترف إلا بثورة يناير وأتصور أن هذا شيئ طبيعي لأن ثورة يونية أسقطتهم وهم الذين وظفوا ثورة يناير لصالحهم وليس معنى أن الأخوان تؤيد يناير فيصبح على الآخرين أن يرفضونها !!
مما تقدم أرى أن التغيير في 2011 كان ضروريا في مصر سواء بثورة او بغيرها وقد حدث ذلك فعلا بإسقاط نظام مبارك الذي أجبر على تقديم استقالته نزولا على رغبة الجماهير واحقاقا للحق وبغض النظر عن موقفنا من مبارك فان الرجل لم يكابر سواء اجبر على الإستقاله او بارادته قرر الانسحاب من المشهد ولكن بعد 11 فبراير 2011 كان يجب ان تتحول الثورة الى بناء الدولة الجديدة وهذا لم يحدث ويرجع سبب ذلك الى ان الثورة كانت شعبية بلا رأس او قيادة ومن ميدان التحرير تعددت القيادات حتى وصل عدد الإئتلافات الى اكثر من 200 إئتلاف وكل واحد منها يتحدث باسم الثورة !!
ومن هنا كان من الطبيعي أن يستغل البعض حالة ( الفوضى الثورية ) ويركب الثورة أو بعبارة أوضح يسرقها وسط من قام بها جهارا نهارا وهذا لا ينفي عنها أنها ثورة ومن ثم عندما تأتي بعد ثلاث سنوات ثورة آخرى تستردها ولا تجبها لأن الأحداث التاريخية لا تلغى بتواتر غيرها !!
إذن ” 25 يناير ” ثورة تعرضت لمؤامرة سرقتها وتم استردادها بثورة “30 يونيه ” !!