Breaking News

د.أيمن رفعت المحجوب يكتب.. “مذاهب التفكير الانسانى..”

اتفق المفكرون على أن مذاهب التفكير الكبرى نوعين، الأول خرافى علمى، والثانى فلسفى دينى، المذهب الأول موضوعه ربط الأشياء بعضها البعض، وكشف العلاقات بين الأسباب والمسببات، أما المذهب الثانى فهو بحث فائض شامل موضوعه غايات الأمور كلها والتى خلقها الله تعالى. وكلا المذهبين خضع لخصائص العقل من حيث الإدراك والتفكير، وكلاهما تأثر بما فى جهاز العقل من نزعة غالبة إلى التنظيم وملء الفراغ وتجسيم المعنويات، وكلاهما تعرض لما تؤدى إليه هذه النزعات من خطأ حيث لا يكبح جماحها علم كاف، وليس عجيباً أن نجمع بين الخرافات والعلم فى مذهب التفكير الواحد. فالخرافات أول العلم، والخرافة نظرية لم تثبت بعد. والعلم خرافات ثبتت أصولها، واطردت نتائجها إلى حد ما. وعالم الغد لا يعدو أن يكون اليوم خرافة، وعلمنا اليوم عند أجدادنا كان خرافة. وقوام هذا المذهب الخرافى العلمى هو قدرة العقل الانسانى على تنظيم ما يعلم، وحاجته إلى هذا التنظيم. وهو أمر عام فى الناس جميعاً، ولا يخلو تاريخ أمة أو فرد من عهد بدائى تكون فيه الخرافات أول مظاهر العلوم والتفكير و الابداع. وقد تبين ذلك فى جوهر التفكير عند البدائيين، فإذا رأى أحدهم رجلاً يموت ونجماً يهوى فإن العقل الانسانى البسيط يربط بين هذين الأمرين فنراه يعقد أن موت هذا الرجل إنما يرجع إلى هذا النجم الذى هوى، وعلى هذا النحو تنشأ الخرافات، فهى طبيعية فى العقل البشرى عند أول عهده بالمعرفة، وقد دهش المفكرون لاطراد الخرافات فى تاريخ كل تفكير، بحيث لم يستطيعوا أن يتبينوا الفائدة من هذه القوى الخرافية، وتساءلوا عمّا يفيد الانسان من الخرافات، وحسبوا أن ذيوعها بين الناس كافة يدل على أن لها فائدة فى حياتهم وإن لم نفطن نحن إليها فى وقفها . والواقع أن الأمر فى الخرافات ليس أمر فائدة تعود على البدائيين من وجودها. إنما هى شىء لا مناص منه فى أول عهود تفكير الانسان وأعمال العقل، وذلك لأن الانسان فى أول الأمر (منذ بدء الخليقة) كان لا يعلم إلا القليل من وقائع الكون المعقد، وقوة التنظيم فى العقل تحتم عليه أن يجد رابطة بين هذه الحقائق القليلة، وهذه الرابطة قد لا تكون إلا توافقاً عرضياً فى الزمان والمكان محل الواقعة. ومن هنا ينشأ هذا النوع من مذاهب التفكير الذى نسميه “مذهب التفكير الخرافى”. ثم تتطور البشرية ويكثر علم الناس بالوقائع المتعددة، وتتبين لهم علاقات جديدة كونية وإنسانية وغيرها، حتى إذا بلغت هذه العلاقات الحد الذى يجعلها ذات نتائج مطردة واضحة، تحولت الخرافات إلى علوم. وعليه ننتهى إلى حقيقة مؤكدة على مر الزمان أن الفرق بين الخرافات والعلوم فرق نسبى كالفرق بين الحرارة والبرودة، وليس فرقاً جوهرياً، كما يتخيل البعض، بل هو فرق فى درجة التعلم والإلمام بالمعرفة والإيمان بالله والغيبيات ودرجات التحقيق فى مذاهب التفكير المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *