يجب على كل بنى أدم البحث لاكتشاف ما هو جديد فى العلم، ففى ما نعرفه اليوم ما لا يكفى لتحديد النظام العام للمعرفة تحديداً يبين ما هو حقق عقلاً من بين مذاهب العلم القائمة والمحتملة والممكنة فى المستقبل. لذا يجب أن نرتب نحن البشر أجزاء العلم والمعرفة ترتيباً يطابق الترتيب الطبيعي للقوانين العلمية والكونية فنبدأ بالماديات ونقيم عليها قوانين الحياة التى نعيشها، ثم نقيم على قوانين الحياة من قوانين الانسانيات ما يكون متفقاً مع نظامها العام. بهذا نرجو أن نبين وحدة التفكير العلمى والمنهجى، ونقضى على ما فى المعرفة من اضطراب وتفكك، والواقع أن كلا من علوم الطبيعيات وعلوم الحياة والإنسانيات علوماً ضرورية للعلوم الأخرى رغم أنها منفصلة في الأساس، فالإنسانيات تقوم على مذاهب متعددة كلها معقولة ومنطقية وقابلة للتصديق، وإنما يحدد وجه الحق فيها ما يكون منها مطابقاً للعلوم البيولوجية. والعلوم البيولوجية تقوم على مذاهب كثيرة كلها أيضاً قابلة للتصديق، وإنما يحدد الحقيقة فى هذه المذاهب ما يكون مطابقاً للحقيقة للعلوم الطبيعية الأخرى. إلا أن الخلل فى البحث ظهر حينما بدأ الإنسان بالبحث فى أواخر الأمور بدلا من أوائل الأمور ، وهو ما أحدث اضطرابا كبيرا فى منهج التفكير، فقد ظل الناس يبحثون فى الإنسانيات عشرات القرون قبل أن تصبح البيولوجيات علماً، ولم يتم ذلك إلا فى القرن التاسع عشر، ولم يتبين العلماء الأسس الثابتة للطبيعيات إلا فى القرن العشرين. لذلك بقيت المعرفة دهراً طويلاً كالهرم المقلوب، ليركز الإنسان على علم ضيق بالماديات وعلم مفكك بالبيولوجيات، وأعلاه علوم الاجتماع والفلسفة والفنون نامية ومزدهرة، وعليه لم يكن لعلوم الانسانيات أن تستقر وهى ترتكز على أساس رخو لا يصلح كقاعدة لبنائها الضخم الذى وضعه المفكرون على مر القرون، وذلك لأن القضايا العقلية الواضحة الثابتة منطقياً لا تعد حقيقة لمجرد وضوحها أو معقوليتها، وأنها لا تكون حقيقة علمية حتى يتفق نظامها ونظام الكون عامة. لذلك مع بداية الفصل الدراسى الثانى فى المدارس و الجامعات أرى أنه قد جاء دور الإصلاح المنهجى فى التعليم والذى ندعو إليه فى مصر منذ عشرات السنين، لكى نلحق بالمعاصر، والذى يستند إلى أن الوقت قد حان لكى نغير من وضع هذا الهرم المقلوب فى التعليم المدرسى والجامعى، فى طريقة تفكير الانسان المصرى، فنجعل العلم والمعرفة هرماً قائماً على أساس عريض ثابت، قائم على البرهان العلمي والتجربة ، ليكون فيها الواقع معروفاً لا يحتمل الشك ولا يتسع لأراء التضارب، ثم نقيم على هذا الأساس علوم الحياة، فيتحدد لنا بذلك ضآلة تبنتها مصر لعقود طويلة من الجهل وعدم الوعى والانسياق وراء الآخر ، دون بحث وابتكار وتقدم فى مجال العلم والمعرفة والبحث العلمى..المذهب العلمى الحق من المذاهب الحيوية. وتنتهى بأن نقيم على هذا كله علوم الإنسانيات متسقة فى نظامها العام مع علوم الحياة، فيتبين لنا المذهب الحق فى العلم و التعليم من بين مذاهب العلم و التعليم المتعددةب