ولهواة الحديث عن التاريخ —
اليكم التاريخ الحقيقى من مصادره —
—————————————-
هذا ليس بعنوان من عندى —
بل هو عنوان وضعه الدكتور مصطفى الحفناوى —
وهو رائد دراسات قناة السويس منذ النشأة — حتى وفاته —
وقد جاء هذا فى المجلد الرابع من الموسوعة الشهيرة —
قناة السويس –ومشكلاتها المعاصرة
———————————————————
دست الفكرة على محمد سعيد – فى منتصف القرن الماضى —
وفى وقت لم تكنلدى الحاكم عقلية قانونية تستطيع أن تميز بين الخير والشر–
أوتفطن الى الأضرار التى تهدد البلاد – اذا منح الامتياز —
وقد وقع دليسبس مشروعه فى لغة براقة – واستعمل اسلوب غاية فى الدهاء فى الاحتيال – وهذا مستفاد من العبارات الواردة فى مذكرته المؤرخة فى 15 من نوفمبر سنة 1854 -والتى قدمها الى صديق صباه فى ساعة صفاء-
وفى خلوة بالصحراء الغربية – بعد أن قام باعمال بهلوانية – على صهوة جواده -فظفر بموافقة محمد سعيد – وهذا بعض ما جاء فى تلك المذكرة —
== لقد سبق أن فهم – محمد سعيد – أنه لا يوجد هناك عمل يمكن أن يقارن من حيث العظمة – ومن حيث الفوائد التى تترتب على انشائه – بالعمل الذى أعرضه عليه – فما أكبر المجد الذى سيضفيه هذا العمل على عهده – وما أوسع سبل الغنى والثروة التى ستتدفق منه على مصر.
== ان أسماء الملوك المصريين الذين شيدوا الأهرامات – عنوان الكبرياء الآدمى – والذى لا فائدة منه – وهى أسماء مجهولة – بينما سيظل اسم الأمير الذى فتح قناة السويس – البحرية – اسما مباركا من عصر الى عصر – أبد الآبدين .
وهذة المذكرة – على ما انطوت عليه من مغالطات – اريد بها مداعبة كبرياء سعيد – واستغفاله – كانت تقطع بأن المشروع وثيق الصلة بكيان الدولة السياسى – وانه بطبيعته وظروفه – يؤثر تأثيرا تاما على مركزها السياسى – وسواء أريد بمشروع القناة خير أو شر – فانه ما كان ينبغى بأية حال ان يترك أمره لشركة – أو لجماعة من الأجانب أيا كانت ميولهم وعواطفهم – نحو البلاد التى يجرى المشروع فى أرضها .
كان يكفى مانح الالتزام أن يراجع صفحات التاريخ – فيجد أن مشروع برزخ قناة السويس – هو مشروع الصليبيين – يوم اغرموا بالسطو على خزائن الشرق — وكان ضالة فرنسا – منذ ان فكرت فى غزو مصر فى زمن لويس الرابع عشر —–
وكان ضالة نابليون بونابرت حينما جاءت حملته الى مصر فى آخر القرن الثامن عشر –
وكان الشغل الشاغل للساسة والملوك وللبابوية طيلة بضعة قرون — وكل هذا كان يقتضى ابعاد اليد الأجنبية عن المشروع – ومهما كانت فوائده المنتظرة – وكان حسب الوالى أن يفكر فى البواعث التى حملت رجلا كديليسبس – لم يكن من == المهندسين – أو رجال المال والأعمال – على الاندفاع بهذا المشروع == وله ماض فى خدمة السلك السياسى الفرنسى – يقطع بأنه == محترف استعمار == ده كله كلام الدكتور مصطفى الحفناوى —
ولكن التاريخ قد جرى بعكس هذا – لأن صاحب المشروع – كان قد تسلط على عقل الوالى وجسده – حينما كان سعيد غلاما صغيرا – وقام بألعاب بهلوانية على صهوة الجواد – فسر الوالى وحاشيته – ومنح الامتياز !
وقد تحققت المخاطر والضرار فى حياة سعيد نفسه == اذ غدر به صديقه دليسبس == مستعينا بنفوذ فرنسا – واتلدول التى تطلعت الى المشروع من زمن بعيد – واسس الشركة من غير أن يصرح له بذلك – أو يصادق السلطان العثمانى على عقد الالتزام – وبدأ أعمال الحفر من غير تصريح مخالفا نص عقد الالتزام – وغزيت مصر بالقروض الأجنبية – وبسيول المهاجرين الأجانب – الباحثين عن الذهب – نتيجة لمشروع قناة السويس – ووقعت مصر بسبب شركة القناة – فى ازمات سياسية ومالية بعيدة المدى – وانتهت هذة الأزمات -بوضع مصر تحت وصاية مالية أجنبية – اذ ظهرت لجنة المراقبة الثنائية – ومن بعدها لجنة التحقيق الأوربية برئاسة == فرديناند دليسبس == وخلقت الوزارة الأوربية برئاسة ( نوبار نوبريان ) – وخلع اسماعيل عقابا له على مناوأة شركة قناة السويس – وجاء الاحتلال البريطانى – وكان رئيس الشركة === دى ليسبس == الأداة الفعالة فى التمكين لهذا الاحتلال .
وقد كان الغش والخديعة أمرا متأصلا فى نفس دليسبس – والذى بلغ فى شهرته العالمية حد الذروة – وبعد نيف على التسعين – ساقوه الى محكمة جنايات السين بباريس – ودمغه القضاء بحكم يلازم ذكراه – اذ قضى عليه بالسجن خمس سنوات – عدا الغرامة . والتهم التى ثبتت عليه هى النصب والاحتيال – والتزوير والرشوة – ومات الرجل وهو فى عداد المجرمين .
=============================================
جاء كل ذلك بالجزء الرابع من الموسوعة بقلم الدكتور مصطفى الحفناوى — ودون تدخل منى – بأى شكل —
ليعلم كل مواطن – التاريخ الحقيقى — بغير تزييف ولا تزوير — لقصة الأفاق دليسبس — والذى يسعى البعض الى تجميل صورته الاشد قبحا —
وعندما ادرك سعيد بالمأزق الكارثى الذى اوقعه فيه دليسبس فقد جاء بهذا الجزء — وعلى لسان الدكتور مصطفى الحفناوى ما يلى
—————————————
ولم يستطع الوالى ان يقاوم فاكتفى بالاحتجاج الشديد الذى حمله ناظر خارجيته شريف الى دليسبس – وهذا الأخير كان يحتمى بسلطة القناصل – وجاء امبراطور فرنسا وحكومتها – وبالامتيازات الأجنبية – وعلى الرغم من أن أوامر سعيد صدرت لرجال الادارة بمنع المصريين من التوجه الى منطقة الحفر – كان دىليسبس يجند الأجانب – ويستقدم من جزر البحر الأبيض المتوسط سفاكى الدماء وقطاع الطرق – ليحتمى بهم – وكان هؤلاء يعتدون على المصريين فى ديارهم – وهم بمنجاة من القانون — وقد تحلل جسد سعيد الضخم من فرط الحزن – ومات وهو فى سن الأربعين .