يجب ونحن بصدد تحديد العبء الذى يقع على المستهلكين والمنتجين أن نفرق بين نوعين من الضرائب غير المباشرة (الأولى على سلع الاستهلاك والثانية على سلع الإنتاج)، حيث إن تحليل الاقتصادى للأسواق للأثر غير المباشر على سلع الاستهلاك قد أكد أن المستهلكين وحدهم فى مصر هم من يتحملون معظم هذا العبء الإضافى فى شكل ارتفاع فى أثمان السلع والخدمات، ولا يمكنهم بأى حال من الأحوال تحويل هذا العبء إلى نفر آخر إلا فى حالات نادرة الحدوث فى السوق المصرية. لذا وجب علينا أن نذهب إلى تحليل الأثر الثانى للضرائب غير المباشرة على سلع الإنتاج (الرأسمالى) والذى يتمثل فى انعكاس جزء من عبء الضريبة على أثمان هذه السلع، فيؤدى إلى ارتفاع آخر فى أثمان السلع الاستهلاكية التى تستخدم فى إنتاجها تلك السلع الرأسمالية. وهو ما يعنى أن هذا الأثر فى أثمان السلع الرأسمالية يصب فى أثمان السلع الاستهلاكية، ويشكل عبئًا إضافيًا على المستهلكين، وعلى ما تقدم، يتعين على واضع الضريبة، وإن كان الأمر صعبًا ومعقدًا ولكنه ليس بمستحيل، أن يقدر الارتفاع فى أثمان السلع الاستهلاكية الذى حدث من خلال الارتفاع فى أثمان سلع الإنتاج، وإلا ما جدوى الضريبة هنا، أهى جباية؟ أم عدالة فى توزيع الأعباء على فئات المجتمع (المنتج والمستهلك) أى العدالة الضريبية . وننبه هنا إلى أنه قد يحدث أن يؤدى فرض الضرائب غير المباشرة، وسواء على سلع الاستهلاك أو على سلع الإنتاج، إلى تخفيض دخول (عوامل الإنتاج- من الأجور والمرتبات) أو إلى تخفيض دخول (أصحاب العمل) المنتجين، وهو ما يعرف “بنقل العبء إلى الخلف” ولا شك فى صعوبة حساب انقسام عبء الضرائب غير المباشرة بين المنتج (صاحب العمل) والمستخدم (المستهلك)، خاصة إذا كانت هذه الضرائب مفروضة فى الأساس على السلع الانتاجية (الرأسمالية). ولذلك انتهى أغلب الكتاب المعاصرين إلى اعتبار الضرائب غير المباشرة بكل أنواعها فى المجموع، ترد إلى المستهلكين وتمثل عبئا إضافيا على ما يدفعونه من ضرائب على الأجور والمرتبات والأرباح..إلخ، واعتبار رسوم التصدير عبئًا على المستهلك الأجنبى. وحقيقة هذا الأمر تعود إلى وجود سلسلة من العلاقات بين أثمان السلع الرأسمالية وأثمان السلع الاستهلاكية، ومع هذا الوضع يكون من الجائز إذن القول أن عبء الضرائب غير المباشرة يتمثل فى ارتفاع أثمان سلع الاستهلاك وبالتالى انخفاض عام فى الدخول الحقيقية. ويبقى أن نذكر أنه فى مصر حيث تقوم الدولة بتحديد بعض أثمان المنتجات (التسعيرة الجبرية)، بحيث تضمنها بالتالى الضرائب غير المباشرة، يكون من الضرورى أن نأخذ قيمة هذه الضرائب كلها على أنها عبء على المستهلك. إلا أن هذا يتم فى حدود ضيقة جدًا من خلال تدخل الحكومة فى تحديد أثمان السلع الأساسية والإستراتيجية، أما باقى السلع وهو العدد الأكبر فى الأسواق، ليس له سقف أسعار، وهو ما ينذر بالخطر على المستهلك فى حالة زيادة الضرائب غير المباشرة. ونخلص من هذا العرض السابق إلى أن تحديد عبء الضرائب غير المباشرة فى مجموعها على المستهلكين بالشكل السابق لا يكفى فى النهاية لمعرفة من سوف يتحمل عبء هذه الضرائب. إذ يكون من الضرورى ونحن بصدد معرفة كيفية توزيع الأعباء الضريبية، أن نحدد ما تتحمله كل فئة من فئات المستهلكين أنفسهم، من عبء الضرائب غير المباشرة. ويتطلب هذا التحديد، بالإضافة إلى معرفة الحجم الكلى للاستهلاك فى مصر، ونصيب كل فرد من الضرائب غير المباشرة حسب نمط استهلاكه اليومى أو الأسبوعى أو الشهري، ومعرفة نصيب كل فئة من فئات المستهلكين من السلع محل تطبيق الضرائب غير المباشرة (سواء على السلع الاستهلاكية أو السلع الرأسمالية). حتى لا نقع فى مشكلة التوزيع الضريبى غير العادل. لأن الكل يعلم أنه فى حالة زيادة الضرائب غير المباشرة على الإنتاج، سرعان ما يرفع المنتج ثمن السلع فى مصر وبمعدل أعلى من سعر الضريبة، والذى يتحملها دائمًا المواطن المصرى البسيط والذى يمثل الشريحة الكبرى من هذا الشعب. فينتهى الأمر كما يعرف الكل، أن المستهلك وحدة، هو الذى يتحمل عبء الضرائب وهو وحدة الذى ينخفض دخله الحقيقى، فى حين يستفيد المنتج من هذا الوضع ويجنى أرباحًا إضافية، وهذا ما يعرف فى النظرية الاقتصادية “بأن أحدًا يدفع الثمن والأخر يستفيد”. لا ليس فى مصر الجديدة ولا يجب أن يحدث بعد الآن.