لاشك أن الازمة التي يعيشها الإعلام المصري حاليا تعتبر نتاجا لحالة الإنفلات الغريبة السائدة في كثير من القنوات الفضائية التي حولها ” مدعو” الاعلام الى منابر للسب والقذف وتصفية الحسابات الشخصية وترويج الجهل رغم ان بعضهم يدعون العلم والمعرفة ولا يستطيعون صياغة او نطق جملة مفيدة على الهواء وأتساءل هل هذه هي مصر مركز العلوم والثقافة وبؤرة الاشعاع الفكري في المنطقة العربية ؟ هل هذه وظيفة الاعلام في التثقيف والتنوير ؟ .
مشهد عبثي يومي لهذا أو ذاك من اصحاب الاصوات العالية حيث يظل بالساعات يطنطن ويحاول جاهدا ان يصنع بطولات بالزيف والبهتان وتنتابني الدهشة لأن الحكومة لا تحرك ساكنا رغم ان الرئيس عبد الفتاح السيسي اكثر من مرة لفت نظر الاعلاميين لهذا الوضع المتردي وربما احدكم يسأل وماذا تفعل الحكومة ؟ اذا تدخلت لوقف هذه المهزلة خرج من يقول إن الحكومة تكمم الأفواه واذا صمتت قال قائل إن الحكومة راضية عما يحدث في المشهد الاعلامي لدرجة ان هناك من يؤكد ان الحكومة تدعم صانعي الاسفاف الاعلامي وتحرص على استمراره !!
ومن وجهة نظري استبعد تواطؤ الحكومة لكن دورها يجب ان يكون ايجابيا بمعنى الوقوف الى جانب اعلام الدولة إعلام ( الخدمة العامة ) حتى يمكن انقاذ الاعلام المصري من ازمته وتمكينه من تقديم النموذج في رقي الآداء ويكون المدرسة التي تعلم اخلاقيات المهنة ويواجه باحترافية كل الذين تسول لهم انفسهم تدمير الاعلام المصري وتحويله الى سويقة للسباب بما يشكل وصمة عار في جبين ليس الاعلاميون فقط بل في جبين كل مصري .
ارى أن دور الحكومة في سرعة اخراج نقابة الاعلاميين الى النور لتنقية الاجواء الاعلامية من الشوائب التي تشوه صورة مصر حقيقي لا نريد تكميما للافواه ولا توجيها للرأي و لكننا في الوقت نفسه لا نريد اسفافا وتفاهة وانحدارا بالذوق العام وكفى ثلاثون عاما من تجريف وعي المواطن المصري !!.
لا اعتبره رأيا صادما اذا ذكرت انني لا اجد غرابة فيما يحدث في ” عشوائيات ” الاعلام حاليا لأن عدم وجود انضباط يقود الى انفلات وهذه طبيعة الاشياء وبناء عليه يصبح من الضروري اعادة احياء القيم الاعلامية المتمثلة في المحاسبة الذاتية واعلاء المصلحة العامة وتحري الدقة والموضوعية والتوازن والتنوع وتدريب شباب الاعلاميين على كيفية تطبيق المعايير المهنية على الرسالة الاعلامية وعدم الإنسياق وراء اعلام الضجيج والصوت العالي وانه من الاهمية بمكان اتفاق المؤسسات الاعلامية سواء كانت عامة أوخاصة على ميثاق شرف يعتبر مدونة سلوك لاخلاقيات المهنة وبالتوازي معها تفعيل الرقابة الذاتية لدى القائم بعملية الاتصال وضرورة .
ودعونا نتحدث بصراحة عن الامور التي تسببت في ضبابية المشهد الاعلامي عدم إتفاق الاعلاميين أنفسهم على تعريف محدد لمصطلح “الاعلامي ” لأنه ليس كل من إلتحق بوظيفة كتابية او ادارية في قناة فضائية اصبح اعلاميا بين عشية وضحاها او كل من جعل من الاعلام وسيلة ارتزاق متنقلا يعرض خدماته على الفضائيات يصبح اعلاميا او كل من يبحث عن شهرة مفتعلة دون دراسة وتدريب للعملية الاعلامية ودون غمتلاك لادوات مهنة الاعلام يصبح اعلاميا اذن من هو الاعلامي ؟.
ارى من واقع خبرتي العملية ان الاعلامي هو كل من شارك في صنع الرسالة الاعلامية الموجهة للمتلقي عبر وسيط سمعي او بصري ( الاذاعة والتليفزيون ) وذلك حتى يمكن تمييزه عن الصحفي الذي يعمل في الصحافة الورقية والاليكترونية من هنا يتضح لنا انه لا توجد في الوظائف الاعلامية وظيفة مصفي حسابات او سباب او شتام يوجد فقط مفهوم للرسالة الاعلامية هي رسالة سامية بكل المقاييس تصنع وجدان الامة وتحث على الادراك والاهتمام والمشاركة المجتمعية حتى يتم تشكيل الراي العام بعبارة اخرى تصبح الرسالة الاعلامية وسيلة تحضر وتفتح افاقا للعلم والمعرفة وصدقوني فاقد الشئ لا يعطيه المذيع الجاهل مهما ادعى معرفته بكل شئ لن يستطع خداع المتلقي الذي يعتبر من الذكاء بحيث يكتشف هذا الجهل بسهوله من خلال تعثره في نطق الحروف والكلمات وعدم ثقته فيما يقوله من معلومات فيستخدم مفردات ردئيه والكارثة اذا قرأ نصا مكتوبا او نطق كلمة باللغة الانجليزية لذلك ليس عيبا ان يجري من فترة لاخرى تدريب المذيعين ومقدمي البرامج على الإجادة اللغوية سواء العربية او الاجنبية .
من كل ماتقدم فاننا نبغي الحفاظ على كرامة الاعلامي وعدم تشوية شكله ومضمونه امام المتلقي وحتى يكون حرا في ممارسة المهنة بما يتفق و قيم المجتمع وكذلك وحقه في التعبير والابداع اننا بذلك نحاول ان نمحو الامية الاعلامية المتفشية في المجتمع ونهيئ الاجواء التي تمكن الاعلامي من تطوير ادائه بشكل مستمر وينطيق ما ذكرناه على الاعلامي الذي يعمل في اعلام الدولة او في قناة فضائية خاصة لأننا نهدف الى تحقيق شكل من اشكال التكامل بين الاعلام العام والخاص حتى وان ظل التنافس المهني قائما بينهما وتصبح غايتنا في النهاية الإرتقاء بالذوق العام وتحرير الطاقات الإيجابية البانية للوطن وليس السب والقذف وتصفية الحسابات !!.