يدرك الجميع أن هناك مشكلة تتعلق بالإعلام في مصر، فالرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه اشتكى من الأساليب التي تتبعها الفضائيات والصحف في معالجة القضايا المهمة في الدولة، والأخبار والمعلومات المغلوطة التي يجلس الناس طوال الليل أمام أجهزة التلفزيون ليتابعوا تداعياتها على رغم أنها لم تحدث أصلاً. الإعلاميون والصحافيون كذلك لا يتوقفون عن توجيه الانتقادات الى بعضهم بعضاً، بل يصل الأمر أحياناً إلى حد تبادل الهجوم وتحويل الصحف والبرامج الفضائية إلى منصات لإطلاق تهم التخوين والعمالة أو التطبيل والنفاق. يُحمِّل بعضهم الإعلام جزءاً من المسؤولية عن الانفلات والارتباك والتخبط الذي تعانيه مصر منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وآخرون يعتقدون أن خطايا الإعلام وانفلات الإعلاميين والصحافيين نتيجة للانفلات العام وليس سبباً له. كل هذا معروف ومتداول وصار أمراً اعتيادياً، لكن الغريب هنا ذلك الارتباك الإعلامي في تناول نشاط الرئيس نفسه، خصوصاً لقاءاته مع فئات المجتمع من إعلاميين ومثقفين وأصحاب الكلمة والوجوه التي تطل على الناس عبر الوسائل الإعلامية. قد يفسر البعض هجوم بعض الإعلاميين المصريين عبر منصات الفضائيات ضد دول في الخليج، بما يؤزم العلاقات المصرية معها، على أنه تعبير عن إرث تاريخي لدى تلك الشخصيات الإعلامية لمواقفها السياسية، إذ وجد هؤلاء الفرصة سانحة لتصفية حساباتهم. وربما فسر البعض إقدام مذيعة على الإساءة لدولة عربية عبر برنامجها الفضائي بأنه خلل في الأداء المهني لصاحبتنا، وقد يبرر أحدهم إقدام مذيعة أخرى على إغلاق الهاتف، على الهواء، أثناء حديث سفير دولة بينها وبين مصر معضلة بحجم «سد النهضة» بأن المذيعة غاضبة، ولم تستطع السيطرة على انفعالاتها، لكن لا يعقل أن يتكرر نسب عبارات إلى رئيس الدولة ونشرها في وسائل الإعلام، ما يفجر أزمات مع طرف أو أطراف فاعلة على الساحة المصرية أو العربية، سواء كان الرئيس قال العبارة بالفعل أو أن كلامه حُرِّف أو تزيد عليه. هنا تقع المسؤولية على الجهة التي وجهت الدعوة للحضور وأشرفت على إتمام لقاء الرئيس بالضيوف. الأمر يتجاوز اختلاف الآراء حول مداخلات الرئيس في برامج الفضائيات، أو الجهات التي يفضل إجراء حوارات معها، أو أسباب غيابه عن الحديث إلى التلفزيون الرسمي، المسألة تتعلق بالأداء الإعلامي للأجهزة المحيطة بالرئيس. أحدث تلك المعضلات تلك العبارة التي نقلت عن السيسي في اجتماعه الأخير مع عدد من المثقفين بأنه تسلم البلد «خربانة» وأن مبارك «جاب مصر الأرض» والتي نقلها عنه أحد الحضور، إذ بعد الضجة التي أثارتها العبارة تبين أن الرئيس لم يذكر اسم مبارك، ووفقاً لغالبية الحضور فإن نص ما قاله السيسي «لا أريد الإساءة إلى نظام سابق لكن المعضلة أن مؤسسات كثيرة في الدولة تحتاج إلى وقت طويل لإصلاحها وهذا نتاج 50 سنة لأننا ننهار منذ 1967 في كل المجالات». أثارت العبارة غضب محبي مبارك فردوا بحملة ضد السيسي، الذي وجد نفسه يدفع ثمن بضاعة لم يشترها. والغريب أن الرئاسة لم تصدر بياناً عقب اللقاء تشرح فيه تفاصيل ما جرى لتكبح جماح الراغبين في الاجتهاد! لم تكن تلك المرة الأولى التي يُنقل عن الرئيس عبارة تثير الجدل أو تتسبب في غضب بعضهم، إذ سبق وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، أن نقل صحافي عن السيسي عبارات يُفترض أنه قالها في اجتماع مع الإعلاميين المرافقين له، تتعلق بالعلاقة مع قطر، ثم تبين أن ما أورده لم يكن دقيقاً.
وحتى قبل أن يفوز السيسي في الانتخابات الرئاسية كانت حملته اضطرت إلى إصدار بيان نفت فيه ما نسب اليه من تصريحات، على هامش اجتماع مع وفد من أساتذة في جامعات مصرية، ورد فيها «أنه قادر على اجتياح الجزائر في ظرف ثلاثة أيام فقط»، وأكدت أن ما نُسب للمشير ضد الشعب الجزائري الشقيق كاذب وتم تداوله على نحو خاطئ» وأن السيسي أكد خلال اللقاء «أن القوات المسلحة المصرية قادرة على حماية الحدود على الاتجاهات الاستراتيجية كافة ومواجهة المحاولات الإرهابية المتطرفة التي تستهدف العبث بمنظومة الأمن القومي المصري». حرص السيسي بعدها على أن تكون الجزائر أول زيارة خارجية له بعد أيام من توليه الرئاسة، قبل أن يتوجه إلى عاصمة غينيا الإستوائية «مالابو» للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي.
لأن الزمن يتغير والأحوال تبدلت، فإن كثيرين ممن يلتقيهم الرئيس يسارعون بعد اللقاءات إلى استخدام هواتفهم ليحكوا للفضائيات ما جرى ليفوزوا بالسبق والأضواء، حتى تحول الأمر إلى ظاهرة. الحل هنا سهل وبسيط، مجرد بيان من الرئاسة يتضمن تفاصيل ما جرى ضمن أي لقاء، تفادي مشاكل ضخمة وأزمات كبيرة يأتي بأبسط الحلول… وأسهلها!