أما وقد أذن شهر رمضان بالرحيل ( وقد كان كسوق قام ثم انفض ، ربح فيه من ربح ، وخسر فيه من خسر ) ، فلابد من ( الحساب الذاتي ) للنفس الصائمة ، من حيث أن صيام شهرها كان ( احتسابا لله ) سبحانه وتعالى . فأي نوع من الصائمين كنت في رمضان ؟ وكم من ( التقدير ) حصلت في امتحان شهر الصيام ؟ وهل حققت غاية ( لعلكم تتقون ) في الآية المرجوة من صيامك ؟
أما ( أنواع الصائمين ) فهو يندرج ضمن ما يمكن تسميته ب ( ماهية الصيام بين الوحدة و التنوع ) . وهو يركز على فكرة أقرب ما تكون إلى ( الحكمة الفلسفية ) منها إلى ( الحكمة الدينية ) . فهل يصوم المسلمون ( أفقيا ) متساوون لكنهم يتفاوتون في الأجر والثواب ، أم يصومون ( رأسيا ) في طبقات ويتفاوتون في ترتيب التنوع من أعلى إلى أسفل ولكل نوع أجره المحدد سلفا ؟! الحقيقة أن المسلمين يصومون ( بحسب واقعهم الذاتي ) وهم أدرى به ، ثم يأتي المفكرون الإسلاميون و ( ينظّرون ) لتفسير هذا الصيام بحسب ما قد يتوفر لهم من معرفة شرعية أو عقلية أو إلهامية . وفي هذا المقام يحلو لساداتنا الصوفية وبعض ساداتنا من غيرهم أن يقولوا : إن الصوم – بحسب الصائمين – ثلاثة أنواع : ( صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص ) ! ويوضحون مقصودهم بهذا التنوع بقولهم : إن صوم العموم خاص بعوام صائمي المسلمين – وهم الأكثر عددا – وهو صوم تتضح ماهيته في كونه يتأسس على ( الامتناع عن الطعام والشراب والنكاح من أذان الفجر إلى أذان المغرب ) . وأما صوم الخصوص فهو خاص بمتعلمي المسلمين – وهم أقل عددا من العموم – وتتضح ماهيته في كونه يتأسس على ( الامتناع عن الموبقات والآثام ) طبعا مع الامتناع عن الطعام والشراب والنكاح . وأما صوم خصوص الخصوص فهو خاص بصوم أولياء علماء المسلمين – وهم الأقل عددا بل الأندر وجودا – وهو صوم يتأسس على ( الامتناع عن ذكر غير الله ) ، طبعا مع الامتناع عن ما امتنع عنه النوعان السابقان في صيامهما
وقد شغلني التفكير في هذا التصنيف التنوعي لتقسيم الصائمين ( رأسيا ) من ثلاثة جوانب : الجانب الأول : تأصيل هذا التقسيم والتماس مصدره . والجانب الثاني : أين يمكن أن نجد تطبيق أنواع هذا التصنيف في واقع المسلمين الحالي ؟! والجانب الثالث : هل يعد القائل بهذا التصنيف والتقسيم ( عنصريا طبقيا ) يخالف قول النبي ( الناس سواسية كأسنان المشط ) في مبدأ نشأتهم العادية ، فما بالك بحياتهم التدينية وبخاصة في صيام المسلمين ؟!
والجانب الأول فيما يخص تأصيل هذا التصنيف والتماس مصدره ، يحق لنا أن نسأل : هل له مصدر في القرآن أو السنة ؟! أم أنه من ادعاء أو تحكم القائلين به من أجل تثبيت رتبتهم العالية باعتبارهم لأنفسهم أنهم من خواص الخواص ؟! يمكنني القول بضمير علمي مستريح أن هذا التقسيم والتصنيف ليس في القرآن ولا في السنة . وإنما قال به من قال باعتباره ( إلهاما معرفيا لدنيا ) لمعرفة حقيقة أنواع الصائمين . والجانب الثاني : يلزمه أن يحدد هو على ( أرض واقع المسلمين ) هذا التصنيف ، لكنه للأسف يعجز عن ذلك . وهكذا يظل الأمر في حدود التنظير . والجانب الثالث : لا أستطيع أن أقطع فيه باتهام القائل بهذا التصنيف بأنه عنصري يقصد مخالفة قول النبي بتساوي الناس في مبدأ الخلقة عامة وتكليف الصيام للمسلمين خاصة . وإنما القائل به قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده إن شاء الله
وإذا كان المتدين ( الحق ) يشغله دائما ( مبدأ الغائية ) عند بداية العبادة ، ويشغله أكثر ( محصلة الغائية ) بعد انتهاء العبادة . فكيف كان احتسابك صيام رمضان لله ؟ هل تستطيع تحديد درجة نجاحك في امتحان هذا الشهر ( من 10 درجات ) ولو على سبيل التقريب ؟ . وهل تعتبر نفسك من الرابحين في سوق رمضان الذي انفض أم تعتبر نفسك من الخاسرين ؟ وكيف تحقق لديك محصلة مبدأ الغائية من صيام رمضان ( لعلكم تتقون ) باعتبار أن التقوى هي ( الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ) ؟ وأخيرا ، هل تستطيع أن تحدد ماهية نوع صيامك كيف كان ، هل كان من صيام العموم أم من صيام الخصوص أم من صيام خصوص الخصوص ؟! أم أنك تجد نفسك غير معني بالانشغال بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة والمهم عندك أن شهر رمضان قد ( ولى ) ، انتهى وخلاص ؟! حاول أن تجيب على هذه الأسئلة ( بينك وبين الله ) ؛ لأن كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لله ، وهو يجزي به على النية وغاية العمل