ما يعنينا نحن العرب، وقد اقترب السباق إلى البيت الأبيض من نهايته، هو كيفية التعاطي مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط التي ظلَّ مضمونها واحداً، في ظل إدارات متعاقبة. فغالباً ما تأخذ تلك السياسة موقفاً معادياً إزاء القضايا العربية، ومن ثم يصبح منطقياً ألا نجد على رأس أولويات أي رئيس أميركي الهموم العربية، ولم يكن هناك اقتراب من شؤوننا إلا إذا تقاطعت مع المصالح الأميركية، مع الأخذ في الاعتبار ضعف اللوبي العربي والإسلامي في الولايات المتحدة.
فعلى رغم وجود عدد كبير من العرب والمسلمين على الأراضي الأميركية، إلا أن جماعات الضغط التي تمثلهم – إذا وُجدت – لا تأثير لها في صنع القرار الأميركي تجاه مشكلات الشرق الأوسط.
ومن هنا، فإنني أعتقد أن الرئيس الأميركي المنتظر لن يختلف عن سابقيه في التعاطي مع الشأن العربي، لكن نقطة الاختلاف ربما تكمن في الظرف الآني للمنطقة العربية. أو لنقل إن طبيعة خريطة الشرق الأوسط المتّسمة بالسخونة والتوتر، منذ نحو خمس سنوات، تسببت في انهيار نظم تقليدية وقيام نظم جديدة ما زالت تتلمّس الخطى، أو تعاني من عدم الاستقرار، فيما حافظ بعضها على توازنه في ظل تحديات تستهدف تفتيت العالم العربي، تحت مسميات مختلفة مثل «الشرق الأوسط الجديد»، الذي تنبَّأ به شمعون بيريز في التسعينات، وهو ما أكدته مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون، في أحد فصول كتابها «الاختيارات الصعبة»، الذي صدر في 2014، تحت مسمى «الفوضى الخلاقة». وهكذا لم يعد خافياً أن أمتنا تواجه إصراراً من بعض الأطراف الدولية، في مقدمها الولايات المتحدة وإيران، على إعادة صياغة الخريطة العربية لمصلحة هذه الأطراف، وهو أمر لن تقبله بالطبع الشعوب العربية، غير أنه يجب التمييز بين عدم القبول، واتخاذ موقف يترجم هذا التوجه. ونرى أنه شأن يتعلق أولاً بالحكومات العربية ذاتها، ثم بالتنظيم الإقليمي العربي المثمثل في جامعة الدول العربية. ونرى أنه ينبغي من الآن تحديد الموقف العربي تجاه الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، خصوصاً إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يتميز بفكر عنصري قريب الشبه بفكر أدولف هتلر النازي، لا سيما في نظرته إلى العرب والمسلمين.
وبغض النظر عمن سيفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية، وتوجهه، فإنه سيجد أمامه ملفات عدة تتعلق بالشرق الأوسط، يتصدرها الموقف في سورية وليبيا والعراق واليمن وفلسطين، كما أنه لا يمكن أن يتغاضى عن الحرب ضد الإرهاب وخطط تركيا وإيران وإسرائيل الإقليمية. وفي اعتقادي، أنه من الأفضل أن نساهم بدور ما في توجيه هذه الملفات وصياغتها قبل عرضها على الرئيس الجديد من وجهة نظر أميركية. وهذا يتطلب تحركاً عربياً مشتركاً، يتعاطى بواقعية مع هذه الملفات. فمنذ 2011، لا توجد رؤية تجمع العرب على قلب رجل واحد لمواجهة الخطر المحدق بوجودهم، ما أدى إلى منح أعدائهم فرصة ذهبية للعبث بمقدرات بلادهم والتربّص بمستقبلها، وتسبَّب هذا في عدم خلق مساحة من الحوار مع واشنطن في اتجاه الضغط لتغيير التعاطي النمطي مع القضايا العربية.