قدمنا في مقالات سابقة تقسيم النفقات العامة للدولة من حيث أثارها المباشرة على المجتمع الى نفقات حقيقية ، وهي تلك التي توزع دخولاً مقابل انتاج جديد ، والى تحويلية ، وهي تلك التي تحول جزء من الدخل القومي للدولة من فئة اجتماعية الى فئة اجتماعية أخرى ، أو من أقليم الى اقليم أخر أكثر فقراً. وواضح إذاً أن هذه النفقات التحويلية يقتصر أثرها المباشر على إعادة توزيع الدخل القومي . وعليه يمكن القول أن النفقات التحويلية وإن كانت تستمد أهميتها ، بصفتها أداة مالية فعالة ، من تأثيرها فقط في إعادة توزيع الدخل القومي إلا أنها لا تقدم قيمة مضافة للدخل القومي بشكل مباشر.
وعلى ما تقدم ولكي يفهم القارئ معنى النفقات التحويلية وأثرها في حياته اليومية ، يمكن أن نقسمها من حيث أغراضها إلى ثلاثة أنواع وهي ؛ الأولى النفقات التحويلية الاجتماعية ، وهي تلك التي تتم بلا مقابل ، وبغرض رفع مستوى معيشة بعض الطبقات والأفراد ومثلها الآعانات النقدية التي تمنح للموظفين والعمال لمقابلة الأعباء العائلية ، أو مقابل غلاء المعيشة ، والاعانات التي تمنح للعائلات كبيرة العدد ، أو تلك التي تمنح لمقابل المرضى أو الاصابة أو الشيخوخة أو البطالة . والثانية ، النفقات التحويلية الاقتصادية ، وهي الاعانات التي تمنح لبعض المشروعات بغرض رفع أرباحها أو بغرض حماية الصناعة الوطنية أو بغرض تخفيض أثمان منتجاتها ( خاصة السلع الأساسية والضرورية والاستراتيجية للشعب وللأمن القومي ) والثالثة ، النفقات التحويلية المالية ، وهي فوائد الدين العام واستهلاكه.
وفي ضوء هذه الأنواع السابقة الذكر من النفقات التحويلية يمكن أن تقسم التحويلات التي تقوم بها النفقات العامة للدولة ، بشكل عام ، الى تحويلات مباشرة ، وهي التي تنصرف الى تحويل جزء من القوة الشرائية للنقود عن طريق إعطاء المستفيد ” دخلاً نقدياً ” وهي ما تعرف لذلك ” بالتحويلات النقدية ” ، والى تحويلات غير مباشرة ، وهي تلك التي يتلقى المستفيد منها سلعة أو خدمة بالمجان أو بثمن يقل عن نفقة عوامل الانتاج ومثلها الاعانة التي تمنح للمنتجين بغرض تخفيض ثمن البيع للمستهلك ، كما ذكرنا من قبل ، وهذه هي ما تعرف ” بالتحويلات العينية ” (وهو المعروف للعامة باسم الدعم النقدي والدعم العيني).
وقد أصبحت النفقات التحويلية تشكل في مصر بشكل عام وبصفة أساسية نسبة مرتفعة جداً من مجموع النفقات العامة وتثقل من أعباء الموازنة العامة للدولة ، وذلك بسبب التوسع ( بعد ثورة 2011 وثورة 2013 ) في القروض العامة وفي الأخذ بالضمانات الاجتماعية ، الى جانب زيادة منح الاعانات الاجتماعية ومصابي الثورة والشهداء ، بالاضافة الى الاستجابة المضطردة للمطالبات الفئوية بزيادة الأجور والمرتبات والحوافز من كثير من القطاعات رغم عدم زيادة الانتاج القومي ، هذا بخلاف نفقات خفض تكاليف المعيشة وتنظيم التموين ( خاصة في ظل ارتفاع الأسعار خلال الثلاث سنوات الماضية).
ولأن كانت النفقات التحويلية تشكل في زيادة حجمها الأعوام السابقة القليلة أداة هامة من أدوات إعادة توزيع الدخل القومي ، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية المؤقتة ، إلا أنني أرى أن الحل الجذري هو زيادة الانتاج العام والخاص وخلق فرص عمل جديدة حتى يتسنى أن ترتفع الدخول الحقيقية للمواطنين وليس النقدية فقط التي لا تفضى الى شيء غير تضخم في الاسعار.
وإلى أن يتحقق ذلك يجب على الدولة عدم مساس حقوق الفقراء وعدم الغاء اي نوع من أنواع الدعم لمحدودي الدخل ، وان كنت أفضل الابقاء على ” التحويلات العينية ” عن” التحويلات النقدية ” لما للثانية من سلبيات في التطبيق ، ظهر في أغلب دول العالم التي في مرحلة النمو. وأقول لهولاء الذى تسول لهم أنفسهم بالغاء الدعم : ” ارفعوا أيديكم عن الفقراء في مصر”