أخبار عاجلة

عبد السلام بدر يكتب… “9 سبتمبر.. عيد الفلاّح المصري !!”

تمر على الأمة الاسلامية أعياد دينية كعيدي الفطر والأضحى وما بينهما من أيام مباركة ترتبط بمناسبات مختلفة تمثّل عندالمسلمين سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام . ويمر على الشعب المصري من المناسبات القومية والوطنية ما يجعل من أيامها أعيادا يحتفل بها المصريون جميعا .. ولكن الفلاح المصري إختص بيوم اتخذه عيدا لا يقاسمه فيه أحد هو ذلك اليوم الذي عادت فيه للفلاح كرامته .. يوم أن تملّك أرضا رواها بعرقه وفلحها بساعديه .. يوم أن غمرت الفرحة قلوب 75% من أبناء الشعب المصري هم الذين استفادوا من قانون الاصلاح الزراعي رقم 178 الصادر في 9 سبتمبر 1952 .. انتبه عزيزي الفارئ لتدرك أنه اليوم الخامس والأربعين بعد قيام ثورة يوليو المجيدة . ولعلك توصّلت لما أعنيه .. حيث يعتبر صدور هذا الفانون أول خطوة من خطوات الاصلاح بعد قيام تلك الثورة وأول خطوة من خطوات القضاء على نظام الاقطاع الزراعي بإعادة توزيع الملكية الزراعية توزيعاً عادلاً .
وكانت المادة الأولى من قانون الاصلاحالزراعي تنص على :
” لا يجوز لأي شخص أن يمتلك من الأرض أكثر من مائتي فدان ، وكل عقد يترتب عليه مخالفة هذا الحكم يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله ”
وبهذه المناسبة نذكر بعض العبارات المختصرة من خطاب الزعيم الراحل ” جمال عبد الناصر ” الذي ألقاه في حفل توزيع أراضي ” التوفيقية ” يقول :
* ” إن أهم هدف نرمي إليه بنحديد الملكية هو أن نخلص أنفسنا من الاقطاع الذي استمر سنين طويلة يرمز الى الإستبداد السياسي ”
* ” هذه الأرض العزيزة ليست الوسيلة التي يرتفع بها مستواكم المادي والاجتماعي فقط لكنها الوسيلة لرفع مستواكم النفسي وإيجاد العزّة والكرامة وشعور الفرد منّا بالمساواة والحرية ”
* ” أنتم الآن تبنون حاضركم ومستقبلكم ، وبأيديكم ما يصون كرامتكم وعزّتكم وينشئ وطناً كريماً قويّاً نفخر بأننا كنا من العاملين على إنشائه ”
أدركت حكومة الثورة ضرورة رسم سياسة زراعية تقوم على خطط واضحة المعالم والأهداف بحيث تصبح الزراعة ليست مجرد مهنة بل أسلوب حياة الغالبية من أبناء الشعب ، وإحدى الدعائم التي يستند اليها صرح التقدم الاقتصادي والاجتماعي بل والسياسي .
عاش الفلاّح المصري بفضل قانون الاصلاح الزراعي وسياسة الدولة في ذاك الوقت تكسو الابتسامة وجهه حين يرىاخضرار الأرض بما بذرت يداه ويوم حصاد ما كافأه الله به من طرح لمحصول يأكل منه ويبيع مازاد عن حاجته لينفق على أبنائه في مراحل تعليمهم ( المجاني ) الذي كان من مآثر ثورة يوليو والذي بفضله نرى اليوم قامات باسقات في سماء العلم والمعرفة ، وإن كان البعض منهم جحد وتنكّر لفضل الثورة بل ناصب رجالها العداء أحياءً وأمواتاً ويذكر فترة الستينيات بكل شماتة واستهجان فيقول : ” وما أدراك ما الستينيات ” ..
في مثل هذه الأيام من ستينيات القرن الماضي كانت مصر تعيش شهر سبتمبر فرحاً وعيداً ممتداً تبدو مظاهره في أمسيات ثقافية وعلمية وفنية تحكي قصة الزراعة المصرية أرضاً وفلاّحاً ومحصولاً .. يتصدّر مشهد الاحتفالات خطاب رئيس الجمهورية . ثم انتشار قوافل الثقافة الجماهيرية تجوب المدن والقرى لتعرض في ميادينها ومساحاتها الخالية بآلات العرض السينمائي المتنقلة أفلاماً تبث التوجيهات والارشادات للفلاّح في النواحي الزراعية والصحية .. … ومن مشاركات أهل الفن للفلاّح في أفراحه سمعنا : ” محلاها عيشة الفلاّح متهنّي بأرضه ومرتاح ” .. كما غنّى البعض للمحصول : ” القمح الليلة ليلة عيده يارب تبارك وتزيده ” … وهل ننسى” عوّاد ” الذي باع أرضه وأنفق ثمنها على محبوبته ( الراقصة ) فعايره أهله وسخروا منه غناءً لتفريطه في أرضه التي ورثها عن أبيه وجده : ” يا أرضنا ياجنّة مفروشة ورد وحنّة خللي الغراب يستنّى ياخد معاه عواد ” لكنهم اتحدوا وجمعوا مالاً أعادوا به الأرض له مرة أخري .. ….. وهذا فيلم الأرض الذي مثّله لنا نخبة من كبار فناني مصر عن رائعة ” عبد الرحمن الشرقاوي ” والذي جسّد لنا كيف يرتبط الفلاح بطين الأرض يرويه بعرقه وبدمه أحياناً … أين نحن الآن من ذلك كله ؟؟
ـأين الأرض التي اختفت تحت أبنية تضم أناساً لا يعملوت ؟ .. وإن عملوا ففي صناعات صغيرة لا تجذب البلاد خطوة في مسار الدول المتقدمة ؟
هل الانتاج الزراعي الآن بالقدر الذي يكفل للمصريين حياة كريمة تغنيهم عن استيراد طعامهم ؟ بالتأكيد الاجابة : لا
أين القطن المصري الذي قال عنه ” كرومر ” : ” إن مصلحة الطرفين __ يعني مصر وانجلترا _ أن تقوم صناعة قطن مضمونة . مصر تزرع القطن وانجلترا تصنعه ” .. ولكن بكل أسف وأسى لم تعد مصر بلدا زراعيا وليتها أصبحت بلدا صناعيا .. فهي لم تعد ذاك ولم تصبح كذلك .. إذ صرنا نلبس ما تلقيه إلينا ” الصين ” من ملابس قطنية نستر بها أجسادنا .. وأصبحنا نأكل ما تأباه حيوانات ” روسيا ” من قمح فاسد .. وأجبرنا على استيراداللحوم المجمدة لعدم قدرتنا على توفير الأعلاف اللا زمة لتربية المواشي البلدية في مزارعنا ..
وأخيراً فإن هذا غيض من فيض عن الفلاح والأرض والمحصول بمناسبة يوم التاسع من سبتمبر ” عيد الفلاح ” .. والذي نأمل أن يأتي في الأعوام القادمة ليكون عيداً يحمل البهجة والسرور ليس للفلاح فقط بل لقلوب كل المصريين جميعاً بكل فئاتهم .. كما ندعو الله أن يقيض لهذه البلاد من يصلح شأنها ويعلي قدرها ويحفظ كرامة وعزّة أبنائها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *