عزيزي القارئ : ليس هناك خطأ في عنوان المقال ..
فبعضنا قد سمع ..ولاشك ..عن ” مكتب مكافحة الشيوعية ”.. وقد كان هذا المكتب .. أحد المكاتب المهمة الملحقة بالاجهزة الأمنية منذ العهد الملكي .. وربما حتى الآن .. على ما أظن !!
فقد كانت تهمة اعتناق الفكر الشيوعي أخطر تهمة تطال المعارضين لنظام الحكم ..حتى لو كانت مواقفهم أو كتاباتهم تنتقد النظرية الماركسية والفكر الشيوعي !!
ليست الشيوعية ولا مكتب مكافحتها هو مشكلتنا في هذا المقال ..
فمشكلة هذا البلد منذ زمن طويل .. مشكلة ” العشوائية ” التي ضربت أطنابها في كل ركن من أركان الدولة والمجتمع .
خذا مثلا : حادثة ماسبيرو وبث حديث قديم لرئيس الجمهورية .. ومر على حادثة مركب الصيد الغارقة .. وتوقف برهة عند أزمة قوائم التوريد لصوامع القمح المزورة .. وربما تصل لمشكلة تكدس السكر في مخازن شركات الدولة بسبب أباطرة الإستيراد ..
أو أزمة نفاذ الاحتياطي المخزون من لبن الاطفال وإستغلال المستوردين ﻹزماتنا الإقتصادية في السلع الغذائية وفي العملات الأجنبية .. ومرورا بعدم انضباط الاداء في مطاراتنا ومواقعنا السياحية التي تعرضت لضربات متتالية بسب العشوائية ..وصولا لحالة شوارعنا التي تعج بكل ما يمكن تخيله .. أوعدم تخيله .. من مخالفات في البناء ومخالفات للباعة الجائلين وأصحاب الورش والمقاهي المخالفة .. مضافا لكل هذا الخطر الذي يتعرض له الأطفال والكبار على الطرق السريعة والمحاور المرورية من جراء مرور الشاحنات الضخمة المخالفة للسرعة وضوابط الآمان .. إلخ ..إلخ مما لا يمكن احصائه من التصرفات والسلوكيات التي تعكس إستهانة واضحة بالنظام العام والقانون وسلطة الدولة .
ومع مرور الوقت والزمن ..يتحول السلوك العشوائي إلى فكر سائد ونمط راسخ في الحياة ..يتبناه الكثيرون علانية ويجاهرون به .. ويشوه سمعة مصر والمصريين .
ولعل البعض لم يسمع بالكلمة المكونة التي يروجها الأجانب المقيمون في مصر عن شخصية المصري الذي يمكن إختصار سلوكه في ثلاث حروف : ب .. أ ..م
والباء هي الحرف الأول من كلمة ” بكرة ” . .وتعني .. لديهم .. أن المصري لو طُلب منه موعدا محددا للإنتهاء من مهمة معينة ..فستكون إجابته الحتمية ” بكرة ” .
فإذا شُدد عليه في جديّة الموعد .. فسيجيب بكل ثقة : ” إن شاء الله !!! ”
وعندما يمر ” بكرة ” .. وبعد بكرة ..وبعد بعده ..ولا يتم تنفيذ المهمة .. فتسأله : لماذا لم تنفذ ما وعدت به ؟؟!!
فتأتيك إجابته العبقرية : ” معلش !!! ”
و الكلمات الثلاث ( بكرة .. إن شاء الله .. معلش ) تختزل وتلخص سلوك معظم المصريين ..فرادى ..وجماعات ..ومؤسسات ..ووزارات ..وهيلمانات ..
فأنت لن تحصل في نهاية عمل غير متقن أو غير كامل إلا على كلمة : ” معلش ” !!
وإذا دققت في سلوك المصري في الشارع فستجد ما يغنيك من روايات وحواديت عن وقائع ” المعلش ” .
خذ مثلا : السيارات والمركبات .. في شوارعنا .. تقف كيفما أرادت ..ومتى أرادت ..وحيثما أرادت .
أما المشاة فيعبرون الطرق الخطرة السريعة يتحدثون في تليفوناتهم المحمولة ..دونما أي إلتفات للسيارات أوسرعتها أوالخطر الداهم المحدق بها .
عادي جدا أن ترى المصريين يقودون سياراتهم غير عابئين بالشوارع المكتظة بالبشر والمركبات ..وغير معنيين بالعواقب الناجمة عن السرعة أو عبور عجائز مهدمين و نساء يحملن أطفالا .
مولد ..ساير ..داير ..ربك وحده هو العالم به !!!
وﻷن ” ربك كبير وبيستر ” .. فستجد أ، المصريين يرتكبون كل المخالفات المهلكة دون أن يرمش لهم ” رمش ” .. ابتداءً من السرعة الشديدة في الطرقات المزدحمة .. مرورا بالقيادة الخطرة بين السيارات والولوج بينها فيما لو أتيح له ” خرم أبرة ” .
فإذا مرة بسلام فهي الشطارة والفهلوة !!
وهكذا .. إذا تسبب في حادثة مهلكة : ” فمعلش ..ربنا قدر وهذه مشيئة الله ” .
وتسأل نفسك : ما علاقة علاقة التهور والحمق والغباء ..بمشيئة الله وقدره ؟؟!!
ولو حاولت أن تُفهم المواطن المصري خطأه .. لن يقتنع .. فهو لا يخطئ أبدا .. فالخطأ يقع دوما من الآخر .. وإذا ثبت للمواطن خطأه .. فتوقع : المعلش !!
ومعلش هي كلمة السر لدى يتخلص بها المواطنون من أي خطأ أو إحراج .
وتلك عقلية ” قدرية ” بغيضة ..ترمي بإخطائها على مشيئة الله ..سبحانه وتعالى ..أو على أخطاء الآخرين ..حتى لو كان الخطأ واضحا وفاضحا ومجلجلا .. فهناك دوما مجال للتملص والشطارة والفهلوة .
ولا يتوقف هذا السلوك عند حدود المواطن الفرد .. فكثيرا ما تراه متكررا يتكرر على مستوى الدولة بوزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها .
فلا عجب .. إذن . أن ترى طريقا محفورا .. ووقد برزت أحشاؤه للخارج .. وظلت ملقاة في عرض الطريق بعد إنتهاء أعمال الحفر والصيانة .
وليس مثيرا للدهشة .. والحال هكذا .. أن تصدر الحكومات المتعاقبة قوانيناً وقرارات ..وتتحمس لها ..أسبوعا .. أو بضعة أسابيع ..ثم تنساها وتتركها للإهمال والفوضى ..
وينتهي الأمر للتجاهل التام أو موضوعا للرشوة وإغماض العين !!
خذ مثلا : مشكلة الباعة الجائلين وبلطجية الأرصفة الذين يحتلون الشوارع ويفرضون الإتاوات على راكبي السيارات ويجنون الألاف من الجنيهات أم بصر الدولة وممثليها ولا تستفد منهم الدولة شيئا .. اللهم إلا البلطجة والعشوائية .
وكالعادة ..يتحمس المسئولون .. لدينا .. لبضعة ساعات .. ويطبقون القانون واللوائح ..
ثم ” تعود ريما لعاداتها القديمة ” !!
فالمواطنون تعودوا على تلك يعلم ” الهبّات ” المفاجئة ل .. تقوم بها الدولة أو المسئول الجديد ..
ويعلم المخالفون .. من خبرتهم الطويلة : أن ” لكل غربال شدّة ” … وأن ” الصبر مفتاح الفرج ” .. وأن العاصفة ..ستمر حتما .. بالصبر ستمر .. أو بالرشوة ستمر !!
خذ على سبيل المثال وليس الحصر : القرارات المتعددة التي أتخذتها الحكومة مرارا ً وتكرارا ً بمنع مرور الشاحنات في أوقات معينة من النهار تفاديا للحوادث وحرصا على أرواح أبنائنا في أوقات المدارس ؟؟!!
تمر أيام قليلة على تطبيق القرار .. ثم تعود الدنيا ” لإنقلابها ” !!
خذ أيضا : ماحدث في ماسبيرو ..
تعددت الأخطاء مرارا في الفترة الأخيرة .. وتغيرت القيادات عدة مرات ..فهل تم عمل إصلاح جذري في النظام والعقلية السائدة .. يمنع من ظهور الأخطاء ؟؟!!
أبدا .. عادت المياه لمجاريها .. كما تعود في كل مرة !!
سلوكنا العام يحتاج إلى إعادة تأهيل وتقويم .. لأنه سبب لكثير من مشاكلنا ومصائبنا اليومية .
ولللأسف لا يشارك الإعلام المصري في تقويم سلوك المواطنين وإراشاهم .. على العكس .. ” يرغي ويزبد ” كل ليلة في اخطاء الحكومة .. ويتجاهل سلوكيات وإنحرافات المواطنين ؟؟!!
هل من المعقول ..بعد كل هذه السنين ..من وجود مترو الأنفاق ..أن لا يعرف المصريون كيف يصعدون ” للمترو ” وكيف ينزلون منه وكيف يقفون أمام شباك التذاكر ؟؟!!!
وهي عملية مسألة بسيطة لا تحتاج لشهادة جامعية أو دكتوراه في الفيزياء !!!
ماهو دور الإعلام ..والبرامج الحوارية ..والدراما ..والسينما ..والمدرسة ..في تقويم سلوك المواطن المصري ؟؟!!
على أية حال : أعتذر للقارئ الكريم عن الحدّة في نقد سلوك المواطنين والاجهزة الحكومية ..
وأختم كلامي بأمنيّة : أن يتغير سلوكنا ..بكرة ..
إن شاء الله ..
وإذا لم نتغير ؟؟!!
مفيش .. معلش !!!