لفت نظري بشدة الأعداد الغفيرة من الطلاب في كلية الحقوق ، فوجدت مدرجات وقاعات كليات الحقوق مكتظة ،غاصة بأهلها ، على عكس الكليات الاخرى ، العملية منها والنظرية أيضاً .
كما كان يلح علي غير مرة سؤال هام..وهو لما لا تعود كلية الحقوق كلية من كليات القمة كسابق عهدها ، و تتبوأ مكانتها بين مثيلاتها من كليات الطب والهندسة والإقتصاد والعلوم السياسية ، رغم أنها تستحق وخليقة بذلك ، لا لأنها هي من أفرزت لنا وللأمة بأسرها غير واحد من العظماء في مجالات القانون والشرع ، بل بأنها أفرزت من قادوا الأمة وحملوا لواء الحق ، وسطروا اسمائهم في صفحات التاريخ .
وهي ظاهرة جديرة بالمناقشة ،الا وهي تدني مجموع القبول بكليات الحقوق ، ليصل الحد الأدنى للنجاح في بعض الأحيان ، لتصبح كلية الحقوق كلية من فاته قطار الكليات العملية ، أو من خرج صفراً خائباً من مارثون الثانوية العامة. والواقع المرير.. أن هناك في مصر ما تجاوز ال ثمانية عشر كلية من كليات الحقوق بخلاف الشريعة والقانون ، والجامعات الخاصة . يمثلون مفرخة منتجة من الخريجيين ، لا يستعبهم المجتمع فيما بعد. فتجد الطلبة يقبلون عليها على غير إرادة منهم لللالتحاق بها ، لا لشيئ الا لانخفاض مجموع القبول بها ، وبعد التحاقه يتجد الطالب الذي أخفق في مجرد استيعاب وريقات ، ليصطدم بمناهج ونظريات كلية الحقوق الأصولية الصعبة ، فيحاولون مرارأ وتكراراً ، حتى يجتازون المراحل بعد معاناة ، ويقضون ما شاء الله لهم أن يمضوا ويقضوا ، من السنوات ليخرجوا بمستوى لا يليق بالصرح التعليمي الذي أخرجهم . ثم يتخرج فيها جيشاً عظيماً من العاطلين،خريجي كلية الحقوق . إن هذه السياسة الفاشلة قد انتهجها النظام السابق ، هروباً من الإصلاح المنشود والمرجو منه ، ولعلمهم أن القانونيين هم الفئة المثقفة الواعية التي لا ينطلي عليها اسلوب التعميم والتغييب. وأتسآئل لما لم تهب نقابة المحامين ثائرة أو الكليات نفسها ،أو الجامعات ،أو واضعي سياسات القبول ، لاسيما وزارة التعليم العالي .صاحبة القول الفصل في الموضوع . لحد هذه الظاهرة الجديرة بالاهتمام.
أناشد وزارة التعليم العالي بمصر… ذلك الصرح العلمي التليد العريق .. وأقول.. يقع على عاتقك هذه المسئولية العظيمة والأمانة ، المنوطة برقبتكم حيال المجتمع ، فلا يمكن أن نتخيل مجتمع بلا قانون ، وقد يكون مجتمع به قانون ولكن يعوزه من يعيه ، ويطبقه التطبيق الأمثل. واعرض لكم مقترحات وحلول وبدائل : أولاً: المبادرة لوضع آلية جديدة للتنسيق عن طريق جعل الحد الأدنى للقبول بكليات الحقوق ، من طلبة الثانوية العامة فحسب 90 % على الأقل . ثانياً: إن في علاج ورفع مستوى كليات الحقوق من شأنه إستئصال شأفة التوريث ، المتفشي في أهم سلطة من سلطات الدولة ، وهي السلطة القضائية ، ثالثاً: تقليص أعداد المحامين المطرد والآخذ في الإزدياد ، مما يلقي بظلاله على المستوى الاجتماعي ، ومستوى تقديم الخدمات للمحامين من النقابة . رابعاً: فيه محاولة لإنتخاب وأنتقاء أفضل مستوى علمي من الطلاب المتفوقين ، والراغبي دراسة القانون والشريعة ، وليس من ألجئتهم مكاتب التنسيق. خامساً: خلق جيل قانوني واع ، وفيه إعلاء قيمتي العلم والقانون ، عن طريق تحسين آليات التعلم ، وطرق التدريس ، لخلق كوادر قانونية قادرة على خوض غمار وتحديات المستقبل. وعلى مستوى عالي ، ينتمي للرعيل الأول من القانونيين العظام. سادساً:التخلي عن سياسة كيش الفداء ، لتكن كلية الحوق بمثابة مخزن أو جراج ـ إن صح التعبير ـ ناجم عن فشل سياسات التعليم ،واخفاق مكاتب التنسيق. سابعاً: كلية الحقوق هي كلية الخطابة والأدب ،لذا أقترح تكوين لجنة قبول للطلبة الجدد راغبي الالتحاق بالكلية ، على غرار ما يتم في الكليات الأخرى ، لتقدير مدى ثقافة الطالب ، وسلامة منطقه ، ولا أقصد بذلك تصعيب الاجراءات ، بل على العكس ، فأنى لنا أن نتخيل محامياً أو قاضياً لا يكاد يبين . ثامناً: إن لم يكن عن هذه السياسة بد ، فمن الممكن التفات لتخفيض الحد الادنى لقبول الكليات المهتمة بعلوم الحاسوب أو التكنولوجيا الحديثة . وهي تلقى قبولاً لدى الشباب ،ولكن يحول دونها المجموع لارتفاعه ، أو تلك المهتمة بعلوم الفن والمسرح ، ولا أقلل من قيمة الفن ، ولكن أيضاً لما لمسته من قبول وافر من الطلبة ،المجبورين على كليات الحقوق في استطلاع أجري على طلاب الفرقة الأولى . تاسعاً: جعل نظام التعليم المفتوح ، نظاماً تثقيفياً ، كالانتساب سابقاً ، وعودة نظام الانتساب .وغلق الباب الخلفي لإلحاق من هم دون المجموع ، أو أصحاب التعليم الفني . وهذا ما لالايحمد عقباه .. و لي أن أتسآئل ؟!ماعلاقة التعليم الفني بأن يلتحق بكليات الحقوق بعد مرور خمسة سنوات؟! . بيد أن التعليم المفتوح أراه تخلي من الدولة عن الالتزام بالتعليم ، لأنه نظام شبه خاص . ويدر مالاً وفيراً ، فبالتالي إصلاحه يجب أن بكون في شروط الالتحاق به ، حتى لا نصطدم بعقبات التنفيذ ، ونقص الموازنة ، فيعود (كنظام الانتساب) كما كان لرفع مستوى الموظفين بالدولة ، أو لمن استهوته دراسة القانون فحسب . ولا غير ذلك.
عار على دولة العلم ، أن يكن خريجيها من القانونيين هم أدنى من تعلموا ، فالأمة مازالت بخير ما بقي القانون بخير ،