ان تشكيل وعي وثقافة المواطنين وادراكهم لا يمكن تركه لاعلام يحاول أن يكون دولة في حد ذاته, اعلام يبحث عن اشعال عود كبريت في أي مكان, فاذا انطفأ ذهب الي عود أخري, اعلام لا يبحث عن توعية أو تنمية وفي نفس الوقت يتحدث عن كل القيم النبيلة وحرية الرأي والديمقراطية والفهم, انع اعلام اثارة يبحث عن الاعلان, اعلام يخاطب ويدغدغ ويبتز الداخل وينسي أن يتحدث الي الخارج, ونأسف دائما لماذا لا نقنع الآخر خارج الحدود بعدالة قضايانا.
فاذا كان الآمن القومي في أحد تعريفاته هو حماية ما بنيناه وتطويره, فانه عندما يغيب اعلام الدولة يكون هذا هو حالنا, اعلام يخاطب الداخل ويثير حفيظته, وهذا حال لا يستقيم في ظل حديثنا الدائم عن حروب الجيل الرابع, والتي ترفع شعار “موت نفسك بنفسك” أو “قتلك سيتم بمعرفتك”.
” لماذ ماسبرو ؟”…
فعندما نكون جميعا نعلم خطورة الكلمة وتزييفها, وخطورة خلط الخبر بالتحليل, وكذا خطورة المصادر المجهلة. ونطرق الملعب لدولة اعلام تتحرك في كل اتجاه دون ضمير, أصبحت كلمات مثل “ميثاق الشرف” و “أكواد المهنة” و “الشفافية” كلمات سيئة السمعة في ظل استخدامها لتبرير أهداف دونية.
الحاجة الي القانون الذي يحاسب هؤلاء الذين يكذبون ويحمي المواطنيين من عمليات التغييب وافقاد الوعي والقيم والآخلاق.
ان ماسبيرو هو اعلام الوطن الذي يجب أن يقوي ويوضح ويعرض صورة كاملة دون تقييد علي حريته في تداول المعلومات دون المساس بالآمن القومي وبعيدا عن ثقافة الانتقام التي تمارس حاليا.
نحن في حاجة لهيبة قانون اعلام تتواكب مع ما جاء بالدستور ليضمن الحرية المسئولة بلا اسفاف ولا تطاول. نحن في حاجة الي اعادة اعلام الدولة ليكون حاضر في مقررات تشكيل وعي وثقافة المواطن. يجب سرعة انشاء المجلس الآعلي للاعلام طبقا للمادة 211 من الدستور, لضمان وحماية حرية الصحافة والاعلام والمحافظة علي استقلاله وحياديته, ومنع أي ممارسات احتكارية وضمان المعايير اللازمة لآصول المهنة ومقتضيات الآمن القومي.
ان غياب الحقيقة وسط التضليل والادعاءات والمبالغات والتهويل والتشويق والتضخيم والتحقير أحدث تشويش كبير في ذهن المتلقي أو فوضي, مما جعل عقل المتلقي يضيع وسط هذا الضجيج, ومن ثم يكون مهيئا لقبول أي رسالة دون أن تمر علي عقله, لآن البوصلة فقدت التركيز والاتجاه.
ان ثنائية المصطلح: شهيد وقتيل, تحرير وغزو, شرعية وعدوان, ديكتاتورية أمام ديمقراطية… ان استخدام اللغة لترويج القناعات الآيدولوجية والاستعارات اللغوية وتقديم الآكاذيب والآسباب الملفقة علي أنها حقائق…
ان عمل أجهزة المخابرات في قراءة نفسيات الشعوب ومعرفة نقاط ضعفها وقوتها عن طريق ثورة معرفية وثورة في الاتصالات والتكنولوجيا يتم اختراق الوطن, وتبدأ في توجيهه. فكم من مركز بحثية تدون ما يدور في رؤوسنا ومن ثم تملك شفرة محوه أو غسله أو اعادة توجيهه وتدويره.
ان ما نراه اليوم حرب متكاملة الآطراف, وهي ككل حرب تبدأ ارهاصاتها في مناقشات كلامية بين طرفين تتحول الي جدال يصل الي طرق مسدود, فيصر كل طرف علي موقفه ويجاهر به ويعلله ويسوق له ويكتسب مؤيدين وأنصار. ولم يتم الاكتفاء بالآمر, انما وانما وصل للترويج للآفكار واكتساب مساحات من عقول الناس وأرائهم وقناعتهم قبل كسب المعركة علي الآرض.
ان تجييش الآراء والآفكار لا يقل مطلقا عن تجييش الجيوش والمعدات العسكرية. ان الحروب الاعلامية لا تقل مطلقا عن الحروب العسكرية. ان حروب الكلام هي حروب نصر وهزيمة دون وجود سلاح مادي, فالكلمة أقوي من صاروخ ومدفع, فبها تتحرك الآمم ويتشكل الرأي العام الذي يؤثر علي جهات اتخاذ القرار. ان الخرب والكلام متلازمان لا يفترقان.
ان المعلومات والاعلام لهما الهيمنة علي العالم, وعن طريقهما ترسم السياسات وتحاك المؤامرات وتستعمر العقول قبل البلدان, فالاستعمار لم يصبح للآماكن وانما استعمار البِشر والعقول.
ان فكرة الاعلام البديل أو الاعلام الموازي لاعلام دولة يسمح بتسويق مصطلحات تدعيها وتدغدغ بها أحلام الجميع, فبدلا من أن يكون التوسع في الخدمات الاعلامية يصب في اثراء المتلقي أصبح يغذي الخلاف الذي يزيد من شق الصف والاستقطاب.
ان الاعلام يدخل منعطف عظيم الخطر ألا وهو أن يصبح أداه لاشعال الفتن والحروب, بامتلاكك منبر اعلامي تبث فيه ما تشاء ودون الالتزام بأصول المهنة…
وكانت هناك دعوة الي ضرورة ميثاق الشرف الاعلامي الذي يؤكد علي قيمة الموضوعية والمهنية, حتي يصبح للاعلام رسالة تنويرية وثقافية يكون لها الدور الرائد في تنمية المجتمع ثقافيا واجتماعيا وسياسيا, وأن تكون لبناء والتشييد, لا للهدم والتحريض.
هل مطلوب أن نعيد السؤال “لماذا ماسبيرو؟”
هل نحتاج أن نذكر أن وزارة الارشاد القومي كانت الغاية منها توجيه أفراد الآسرة, ارشادهم الي ما يرفع مستواهم الآدبي والمادي ويقوي روحهم المعنوية وشعورهم بالمسئولية ويحفزهم الي التعاون والتضحية ومضاعفة الجهد في خدمة الوطن وتيسير سبل الثقافة الشعبية وتزويده بما يعين علي توسيع نطاقها وافادة أكبر عدد ممكن منها.
ان تطوير ماسبيرو لا يتطلب استنساخ نجاح القنوات الخاصة, ولكنها تحتاج الي هذه الصياغات التي ذكرت من 60سنة لتحدث التوازن في الساحة الاعلامية واعطاء المشاهد القدرة علي تمييز الحقيقة, فهو ليس اعلام حكومة, انما عو اعلام قومي.