بالأمس بدأت مصر مرحلة جديدة من تاريخها الاقتصادى. مرحلة جديدة بمعنى أن هذا الشعب سوف يمحو من قاموسه من الان فصاعدا كلمات مهينة ترددت طويلا وأسوأها على الاطلاق كلمات …المعونة…المساعدة…الشحاذة …الاستدانة…
فالمصريون جميعا يجب أن يدركوا أن الكرامة لها ثمن، لابد أن يتم دفعه، والكبرياء الوطنى لا يأتى منحة أو هدية أو بمجرد ترديد الاغنيات الحماسية ، والمجد لا يتأتى بمجرد اجترار الماضى والتفاخر بتاريخ السبعة آلاف سنة بينما الأيدى ممدودة للقاصى والدانى نشحذ او نستدين او نطلب المساعدة ، لشراء الخبز والزيت والسكر واللحوم……
سيمضى الى غير رجعة ذلك الشعور بالدونية ..وستمضى الى غير رجعة سخرية الآخرين منا ومعايرتنا صباح مساء بسبب احتياجنا وجوعنا وعجزنا عن انتاج حاجاتنا وملء بطوننا.
هذه هى الأهداف والنتائج المتوقعة لما تم اتخاذه من قرارات اقتصادية على المديين المتوسط والبعيد ، وهو ما سيكون ثمنه أيضا معاناة لفترة قصيرة من ارتفاعات فى الاسعار أو ضيق ذات اليد.
نعم…لنعترف أن ضربتين قاسيتين على الرأس تصيبان بالدوار….وهما الضربتان اللتان تمثلتا فى تخفيض قيمة الجنيه المصرى بنسبة تقترب من 50%……وزيادة أسعار الطاقة والمحروقات بنسبة أيضا تقترب من 50 %….
ولكن هذان القراران بقدر قسوتهما بقدر ما كانا مصيريين ، بكل ما سيعقبهما من آثار مباشرة وغير مباشرة على مختلف جوانب الاقتصاد القومى وبالتالى الحياة اليومية للمواطنين من كل فئات المجتمع……
علينا اذن ابتداء من اليوم أن نتجرع مرارة هذه القرارات التى تأجلت لأكثر من خمسن سنة ، وأن نتعامل معها باعتبارها الواقع الفعلى لحالنا ولاقتصادنا ولظروفنا.
فبعد أن جبنت وتراجعت كل الحكومات والرئاسات السابقة من جمال عبد الناصر الى حسنى مبارك عن اتخاذ هذه القرارات التى كان بامكان تنفيذها فى مراحل سابقة ، وضع الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح ، وبتكلفة اقتصادية واجتماعية أقل، الا ان التأجيل واختيار الطريق الاسهل بالاقتراض والشحاذة لسد الفجوات التمويلية ، أدى بنا الى ما نحن فيه ، وأوصل القيادة المصرية الى ضرورة الوقفة الحاسمة والمصيرية مع مصيرالوطن الاقتصادى بعد التلطم طويلاعلى ابواب المقرضين والانتظار المهين لمعونة من هنا أو منحة من هناك………..
السؤال الذى يجب أن نوجهه لأنفسنا كمصريين هو :
…هل كان أمام صانع القرار المصرى فعل شىء آخر بعد أن وصل الاقتصاد الى نهاية الطريق المسدود ….؟؟؟؟؟
بالتأكيد لا. لقد وصلت ديوننا الخارجية الى 56 مليار دولار مرتفعة من 35 مليار عام 2010 ،وتضاعفت الديون الداخلية الى أكثر من قيمة النتج المحلى الاجمالى للدولة مع كل ما يستتبعه ذلك من الفائدة على هذا الدين التى هى أيضا تضاعفت بارقام مخيفة لتصل الى أكثر من 200 مليار جنيه.
وبعد أن بلغت وارداتنا من الخارج أكثر من 90% من احتياجاتنا الغذائية الاساسية وكأننا شعب من المعاقين أو تنابلة السلطان……وبعد أن بلغت وارداتنا العام الماضى ماقيمته 67 مليار دولار ، وتوقفت صادراتنا عند مبلغ 17 مليار دولار ..أى ان صافى وارداتنا العام المنصرم بلغت قيمتها 50 مليار دولار ….جميعها او معظمها للزيت والسكر والفول واللحوم والارز ..والوقود وغيرها….وبعد أن جفت مصادر الشحاذة والدعم والمعونات فى ظل ظروف اقتصادية عالمية واقليمية يعانى ويلاتها الجميع بما فيهم أكثر الدول ثراء ، اذن ..كان لابد من هذه الوقفة ، وقفة مع النفس ومع الواقع تعيد صياغة منظومة الآداء الاقتصادى والمالى للدولة المصرية ، ومعها بدء تحميل المواطن للمسئولية الوطنية التى يجب أن يتحملها بصدق وصبر وشجاعة..
لن نطيل كثيرا فى الحديث عن الاختلالات المخيفة التى جعلت منا شعبا يستهلك ما لا ينتج ، ويأكل من زراعات الاخرين بعد أن تعطلت قدراتنا على الانتاج الصناعى والزراعى عن الوفاء باى من احتياجتنا ، فهذا القضايا كم كتبنا وكتب غيرنا فيها …
اذن القرارات الأخيرة كان لابد منها ..لنعيد ترتيب أولوياتنا من جديد كأفراد وكمجتمع ودولة……..
ليس أمامنا سوى التقشف والعيش على قدر استطاعتنا …..لنستغنى عن كل ما نستطيع العيش بدونه…….لنخفض من استهلاكنا فى الهواتف المحمولة …..وفى الكهرباء ……وفى المياه …..وفى انواع طعامنا وكمياته …..وفى حالات استخدامنا للسيارات الخاصة…… وفى غير ذلك من أبواب الانفاق.
يبقى مطلبين:
الاول للحكومة ويتمثل فى ضرورة العمل باسرع ما يمكن لضبط شبكة الحماية الاجتماعية لحماية الفقراء الحقيقيين ، والثانى هو ضرورة الرقابة الصارمة والفاعلة على اسعار كل السلع والخدمات فى المجتمع ..ابتداء من سيارات الميكروباس والتاكسى وانتهاء بالتجار بمختلف فئاتهم سواء تجار المواد الغذائية او السلع الاستهلاكية او غيرها ، مع العقوبات الصارمة والمعلنة بشأن من يستغلون الظروف الجديدة للمتاجرة يحياة المصريين
المطلب الثانى لمجلس النواب ..حيث يجب أن ينهض بدوره ، وأن يتحلى بالشجاعة التى تحلت بها الحكومة ، ومن ثم ، يصدر التشريعات التى تضبط التزايد السكانى الرهيب، وكما سبق وطالبنا …يكفى الاسرة ثلاثة مواليد وما زاد عن ذلك يكون الوالدان مسؤولان عنه، وأيضا تقنين مرات الحج والعمرة لكل الفئات ، وبكل الانواع حتى يمكن تخفيف الضغط على طلب العملة الاجنبية…
وغير ها من التشريعات التى تضبط آداء الدولة خاصة تطوير المنظومة التشريعية التى جعلت من قضائنا وأحكامه غير قادرين على الردع ومكافحة الجريمة خاصة فى ظل تكدس السجون بآلاف القتلة والمجرمين من اعضاء التنظيمات الارهابية ، الذين لم ينفذ حكم واحد فى اى منهم حتى الان رغم مئات الجرائم ومئات الاحكام…
ستنقشع الغمة…وستنهض مصر …وستمضى على طريق المجد…عزيزة أبية رغم المصاعب والتحديات.